للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أُصِب مَالًا قَطُّ هُوَ أَنفَسُ عِندِي مِنهُ، فَمَا تَأمُر بِهِ؟ قَالَ: إِن شِئتَ حَبَستَ

ــ

كانت من نوع القرب. وعلى أن المستشار يجب عليه أن يشير بأحسن ما يظهر له، كما قال صلى (ل هـ عليه وسلم: (من أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره؛ فقد خانه) (١)، وقال: (المستشار مؤتمن) (٢). ولما فهم عمر ـ رضي الله عنه ـ أنَّه أشار عليه بالأصلح بادر إلى ذلك، فتصدَّق به على جهة تقتضي تحبيس الأصل، والتصدُّق بالثمرة، فكان ذلك دليلًا لجمهور العلماء على جواز الحُبس، وصحته على من شذَّ ومنعه. وهذا خلاف لا يُلتفت إليه. فإن قائله خرق إجماع المسلمين في المساجد، والسقايات؛ إذ لا خلاف في ذلك. وهو أيضًا حجة للجمهور على قولهم: إن الحُبس لازم، وإن لم يقترن به حكم حاكم. وخالف في ذلك أبو حنيفة، وزفر، فقالا: لا يلزم، وهو عطيَّة، يرجع فيها صاحبها، وتورث عنه إلا أن يحكم به حاكم، أو يكون مسجدًا، أو سقاية، أو يوصي به، فيكون في ثلثه.

ووجه الحجة عليه من هذا الحديث: أن عمر ـ رضي الله عنه ـ لما فهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إشارته بالتحبيس بادر إلى ذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنه لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث. ثم إنه أمضى ذلك من غير أن يحكم به النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من (٣) الإشارة.

وأيضًا: فإن الصحابة قد أجمعت على ذلك من غير خلاف بينهم فيه. فقد حبس الأئمة الأربعة ـ رضي الله عنهم ـ وطلحة، وزيد بن ثابت، والزبير، وابن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو رافع، وعائشة، وغيرهم. واستمرت أحباسهم معمولًا بها على وجه الدَّهر، من غير أن يقف شيء من ذلك على حكم حاكم. ولم يُحكَ أن شيئًا من تلك الأحباس رجعت إلى المحبِّس، ولا


(١) رواه أبو داود (٣٦٥٧)، والبيهقي (١/ ١٠٣)، والحاكم (١/ ١٠٣).
(٢) رواه أحمد (٥/ ٢٧٤)، وأبو داود (٥١٢٨)، والترمذي (٢٨٢٢ و ٢٨٢٣)، وابن ماجه (٣٧٤٥ و ٣٧٤٦)، والدارمي (٢/ ٢١٩).
(٣) في (ل ١): غير.

<<  <  ج: ص:  >  >>