للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٧٤٣] وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَدرَكَ شَيخًا يَمشِي بَينَ ابنَيهِ يَتَوَكَّأُ عَلَيهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأنُ هَذَا؟ قَالَ ابنَاهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،

ــ

يحوجه إليه؛ لأنه غير مستطيع. وفي اللفظ الآخر: (إن الله لغني عنك وعن نذرك) أي: عن مشيك الذي لا تستطيعه، لا أنَّ أصل النذر يسقط عنه؛ فإنَّه قد أمره بالرُّكوب. وخرجت هذه العبارة على ما تعارفناه بيننا: من أنَّ من استغنى عن شيء لم يلتفت إليه، ولم يعبأ به. وكيف لا، والله تعالى هو الغني الحميد، وكل الموجودات مفتقرة إليه افتقار ضعفاء العبيد.

وظاهر حديث هذا الشيخ: أنَّه كان قد عجز عن المشي في الحال، وفيما يأتي بعد، ولذلك لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لأخت عقبة: (مُرها فلتمش ولتركب) فإنَّها كانت ممن يقدر على بعض المشي، فأمرها أن تركب ما عجزت عنه، وتمشي ما قدرت عليه. وهذا هو المناسب لقواعد الشريعة. ولم يذكر لواحد منهما وجوب دم عليه، ولا ذكر لأخت عقبة وجوب الرُّجوع لتمشي ما ركبته.

فأمَّا من يئس عن المشي فلا رجوع عليه قولًا واحدًا، ولا يلزمه دم؛ إذ لم يخاطب بالمشي، فيكون الدَّم بدله، وإنما هو استحباب عند مالك.

وأمَّا من خوطب بالمشي فركب لموجب مرض، أو عجز: فيجب عليه الهدي عند الجمهور. وقال الشافعي: لا يجب عليه الهدي، ويختار له الهدي. وروي عن ابن الزبير: أنه لم يجعل عليه هديًا (١)؛ متمسِّكًا بما قررناه من الظاهر. وقد تمسَّك الجمهور بزيادةٍ زادها أبو داود والطحاوي في حديث عقبة، وهذا لفظه: قال عقبة بن عامر: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره: أن أخته نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية ناشرة شعرها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (مرها فلتركب، ولتختمر، ولتهد هديًا). وعند أبي داود: بدنة، وليس فيه: ناشرة شعرها. وزيادة الهدي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عقبة بن عامر ابنُ عبَّاس. ورواها عنهما الثقات، فلا سبيل


(١) في (ل ١) و (ج ٢): دمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>