للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتَكفُرنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيتُ مِن نَاقِصَاتِ عَقلٍ وَدِينٍ أَذهَبَ لِذِي لُبٍّ مِنكُنَّ! قَالَت: يَا رسولَ الله وَمَا نُقصَانُ العَقلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: أَمَّا نُقصَانُ العَقلِ:

ــ

النَّارِ، فَرَأَيتُ أكثَرَ أَهلِهَا النِّسَاءَ (١). فلمَّا سمع النساءُ ذلك، عَلِمنَ أنَّ ذلك كان لسبب ذنبٍ سبَقَ لهنَّ، فبادرَت هذه المرأةُ لجزالتها وشِدَّةِ حرصها على ما يُخَلِّصُ من هذا الأمر العظيم، فسأَلَت عن ذلك، فقالت: وَمَا لَنَا أَكثَرَ أهل النَّارِ؟ ، فأجابها - صلى الله عليه وسلم -: تُكثِرنَ اللَّعنَ، وتَكفُرنَ العشيرَ، أي: يدور اللعنُ على ألسنتهنَّ كثيرًا لمن لا يجوزُ لعنه؛ وكان ذلك عادةً جاريةً في نساء العرب، كما قد غَلَبَت بعد ذلك على النساءِ والرجال، حتَّى إنَّهم إذا استحسنوا شيئًا ربَّما لعنوه، فيقولون: ما أشعرَهُ! لَعَنَهُ الله! ! ، وقد حكى بعضهم أنَّ قصيدةَ ابنِ دُرَيدٍ كانت تسمَّى عندهم: الملعونة؛ لأنَّهم كانوا إذا سمعوها، قالوا: ما أشعرَهُ! لعَنَهُ اللهُ! ! ، وقد تقدَّم أنَّ أصل اللعن: الطردُ والبُعد.

والعَشِير: هو المعاشرُ والمخالط مطلقًا، والمرادُ به هنا: الزَّوج، والكفر: كفرانُ الحقوق؛ ويدلُّ على صحَّة الأمرين: حديثُ الموطَّأ، الذي قال فيه: لكفُرهنَ، قيل: أَيَكفُرنَ بالله؟ فقال: يَكفُرنَ العَشِيرَ، وَيَكفُرنَ الإِحسَانَ، لَو أَحسَنتَ إِلَى إِحدَاهُنَّ الدَّهرَ، ثُمَّ رَأَت مِنكَ شَيئًا، قَالَت: مَا رَأَيتُ مِنكَ خَيرًا قَطُّ (٢).

والجَزَالَة: الشهامةُ والجدَّة، مع العقل والرفق؛ قال ابن دُرَيد: الجزالةُ: الوقارُ والعقل، وأصلُ الجزالة: العِظَمُ من كلِّ شيء، ومنه: عطاءٌ جَزلٌ. واللُّبُّ: العقلُ، سمِّي بذلك؛ لأنَّه خلاصةُ الإنسان ولبُّه ولبابُهُ، ومنه سُمِّيَ قلب الحبّ: لُبًّا.

والعقلُ الذي نُقِصَهُ النساء: هو التثبُّتُ في الأمور، والتحقيقُ فيها، والبلوغُ فيها إلى غاية الكمال، وهُنَّ في ذلك غالبًا بخلافِ الرجال.

وأصل العقل: العلمُ، وقد يقال على الهدوءِ والوقارِ والتثبُّتِ في الأمور،


(١) رواه أحمد (٤/ ٤٢٩ و ٤٤٣)، والبخاري (٣٢٤١)، والترمذي (٢٦٠٥) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(٢) رواه مالك في الموطأ (١/ ١٨٧) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>