للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَلَا لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعضَ مَن يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوعَى لَهُ مِن بَعضِ مَن سَمِعَهُ. قَالَ: أَلَا هَل بَلَّغتُ؟ .

ــ

وإنَّما يُحمل الحديث على التشبيه تغليظًا؛ وذلك: أن المسلمين إذا تحاجزوا، وتقاتلوا؛ فقد ضلَّت الطائفة الباغية منهما، أو كلاهما إن كانتا باغيتين عن الحق، وكفرت حق الأخرى وحرَّمتها. وقد تشبَّهوا بالكفار. وكأنه - صلى الله عليه وسلم - اطَّلع على ما يكون في أمَّته من المِحَن والفتن، فحذَّر من ذلك، وغلَّظه بذلًا للنصيحة، ومبالغة في الشفقة - صلى الله عليه وسلم -.

و(قوله: ألا ليبلِّغ الشاهد الغائب) أمرٌ بتبليغ العلم، ونشره. وهو فرض من فروض الكفايات.

و(قوله: فلعل بعض من يبلغه يكون أوعى له ممن سمعه) حجة على جواز أخذ العلم والحديث عمَّن لا يفقه ما ينقل؛ إذا أدَّاه كما سمعه. وهذا كما قال - صلى الله عليه وسلم - فيما خرَّجه الترمذي: (نضَّر الله امرأً سمع منَّا حديثًا فبلَّغه غيره كما سمعه، فربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه) (١).

فأمَّا نقل الحديث بالمعنى: فمن جوَّزه إنَّما جوَّزه من الفقيه العالم بمواقع الألفاظ. ومن أهل العلم من منع ذلك مطلقًا. وقد تقدَّم ذلك.

وفيه حجَّة: على أن المتأخر قد يفهم من الكتاب والسُّنة ما لم يخطر للمتقدم؛ فإن الفهم فضل الله يؤتيه من يشاء. لكن هذا يندر ويقل، فأين البحر من الوَشَل (٢). والعَلُّ من العَلَلِ. ليس التكحُّل في العينين كالكَحَل.

و(قوله: ألا هل بلَّغت) استفهام على جهة التقرير؛ أي: قد بلغتكم ما


(١) رواه أحمد (١/ ٤٣٧)، والترمذي (٢٦٥٧)، وابن ماجه (٢٣٢).
(٢) "الوشل": الماء القليل يتحلب من جبلٍ أو صخرةٍ يقطر منه قليلًا، لا يتصل قطره.

<<  <  ج: ص:  >  >>