الإحصان صحة النكاح، وأنكحة الكفار فاسدة (١)، فلا يصح فيهم الإحصان لعدم شرطه، واستيفاء مباحثها في الخلاف. ويُعتذر لمالك، ولمن قال بقوله بما تقدم، وبما رواه عيسى عن ابن القاسم أنَّه قال: إن اليهوديين المرجومين لم يكونا أهل ذِمَّة، وإنَّما كانا أهل حرب، كما رواه الطبري وغيره: أن الزانيين كانا من أهل فدك وخيبر، وكانوا حربًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. واسم المرأة الزانية: بُسرة. وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا لهم: سلوا محمدًا عن هذا، فإن أفتاكم بغير الرَّجم فخذوا به، وإن أفتى بالرَّجم فاحذروا.
قلت: وهذا الاعتذار يحتاج إلى أن يعتذر عنه. وسبب ذلك بعد تسليم صحة الحديث: أن مَجِيئهم سائلين يوجب عهدًا لهم، كما إذا جاؤونا، ودخلوا بلادنا لغرضٍ مقصود: من تجارة، أو رسالة، أو ما أشبه ذلك. فإن ذلك يوجب لهم أمانًا، فإمَّا أن يقضى غرضهم، أو يُرَدُّوا إلى مأمنهم، ولا يحل قتلهم، ولا أخذ مالهم. قاله القاضي أبو بكر بن العربي.
المسألة الخامسة: قد يحتجُّ بهذا الحديث من يرى على الإمام إقامة الحدّ على زناة أهل الذمِّة وإن لم يتحاكموا إلينا، وهو قول أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي. وقد روي عن ابن عباس. وقال مالك: لا يعرض لهم الإمام، ويردُّهم
(١) هذا قول المالكية، أما الجمهور فعندهم: أن أنكحة الكفار غير المرتدين صحيحة، يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا. واتفق الجمهور على: أنه لا يُعتبر في نكاحهم صفة عقدهم وكيفيته، ولا يُعتبر له شروط أنكحة المسلمين من: الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك. فيجوز في حقِّهم ما اعتقدوه، ويقرُّون عليه بعد الإسلام. ولو قلنا بفساد أنكحتهم لأدَّى إلى أمرٍ قبيح، هو: الطعن في نسب كثير من الأنبياء. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي (٧/ ١٥٩ - ١٦٠).