للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَختَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعضَكُم أَن يَكُونَ أَلحَنَ بِحُجَّتِهِ مِن بَعضٍ،

ــ

عمير (١)، وذلك: أنه أراد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف بالبيت. قال: فلما دنوت منه قال: (أفضالة؟ ) قلت: نعم. قال: (ما كنت تحدث به نفسك؟ ) قلت: لا شيء، فضحك، وأخبرني بذلك، واستغفر لي، ووضع يده على صدري، فسكن قلبي (٢). وغير ذلك من الوقائع التي أخبر بها، فوجدت كما أخبر. وكما قد اتفق ذلك للخضر في قصة السفينة، والغلام، والجدار، لكن إنَّما كان ذلك للأنبياء من جملة كراماتهم، ومعجزاتهم. ولم يجعل الله ذلك طريقًا عامًّا، ولا قاعدة كليَّة، لا لهم، ولا لغيرهم؛ لاستمرار العادة بأن ذلك لا يقع من غير الأنبياء، ولأنَّ وقوع ذلك من الأنبياء نادرٌ. وتلك سنة الله، ولن تجد لسنة الله تبديلًا. وقد شاهدت بعض الممخرقين، وسمعنا منهم: أنهم يعرضون عن القواعد الشرعية، ويحكمون بالخواطر القلبية؛ ويقول: الشاهد المتصل بي أعدل من الشاهد المنفصل عني. وهذه مَخرَقةٌ أبرزتها زندقة، يقتل صاحبها، ولا يستتاب من غير شكٍّ ولا ارتياب.

وهذا خير البشر - صلى الله عليه وسلم - يقول في مثل هذا الموطن: (إنَّما أنا بشرٌ) معترفًا بالقصور عن إدراك المغيبات، وعاملًا بما نصبه الله تعالى له من اعتبار الأيمان والبينات.

و(قوله: يأتيني الخصم) أي: الخصوم. فهو - هاهنا - للجنس. ويقال للواحد، والاثنين، والجمع، والمذكَّر، والمؤنث بلفظ واحد: خصم. كما قال تعالى: {وَهَل أَتَاكَ نَبَأُ الخَصمِ}؛ أي: الخصوم، فإنَّه قال بعد ذلك: {إِذ تَسَوَّرُوا المِحرَابَ}.

و(قوله: ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجَّته من بعض) أي: أفصح


(١) في الأصول: عبيد، والتصويب من كتب التاريخ.
(٢) ذكره ابن هشام في السيرة (٢/ ٤١٧)، وابن كثير في البداية والنهاية (٤/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>