عليهم بالمعروف). ويعني بالمعروف: القدر الذي عرف بالعادة أنه كفاية، وهذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا فهي مقيدة معنى، فكأنه قال: إن صحَّ أو ثبت ما ذكرت فخذي.
وفي هذا الحديث أبواب من الفقه:
فمنها: وجوب نفقة الزوجة والأولاد على أبيهم، وإن لأمهم طلب ذلك عند الحاكم، وسماع الدعوى على الغائب، والحكم عليه، وإن كان قريب الغَيبَة؛ إذا دعت حاجة الوقت إلى ذلك. وهو قول الجمهور. وقال الكوفيون: لا يقضى عليه بشيء.
وفيه دليل: على أن النفقة ليست مقدَّرة بمقدار مخصوص؛ وإنما ذلك بحسب الكفاية المعتادة، خلافًا لمن ذهب: إلى أنَّها مقدَّرة.
وفيه دليل: على اعتبار العرف في الأحكام الشرعية خلافًا للشافعية وغيرهم من المنكرين له لفظًا، الآخذين به عملًا.
وقد استنبط البخاري منه: جواز حكم الحاكم بعلمه فيما اشتهر وعرف. فقال: باب حكم الحاكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتُّهم، وكان أمرًا مشهورًا، وقد تقدم.
وفيه دليل: على أن من تعذر عليه أخذ حقّه من غريمه، ووصل من مال الغريم إلى شيء؛ كان له أخذه بأي وجه توصل إليه. واختلف فيما إذا ائتمنه الغريم على مال، فهل يأخذ منه حقَّه أم لا؟ على قولين. حكاهما الداودي عن مالك. ومشهور مذهبه المنع. وبه قال أبو حنيفة تمسُّكًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)(١)، وإلى الإجازة ذهب الشافعي، وابن المنذر،
(١) رواه أحمد (٣/ ٤١٤)، وأبو داود (٣٥٣٤)، والترمذي (١٢٦٤).