و(قوله: بأرض قومي) ظاهره: أنه لم يكن موجودًا فيها، وقد حكي عن بعض العلماء: أن الضبَّ موجودٌ عندهم بمكة؛ غير أنه قليل، وأنهم لا يأكلونه. والله تعالى أعلم.
و(قول خالد: فاجتررته، فأكلته ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر، فلم يمنعني) هذا تقرير منه - صلى الله عليه وسلم - على جواز أكله، ولو كان حرامًا لم يقرَّ عليه، ولا أُكِلَ على مائدته، ولا بحضرته، فثبت: أنه حلال مطلقٌ لعينه. وإنَّما كرهه لأمور خارجةٍ عن عينه، كما نصَّ عليها فيما ذكرناه آنفا.
و(قول يزيد بن الأصم: دعانا عروسٌ بالمدينة، فقرَّب إلينا ثلاثة عشر ضبًّا) دليل: على أن أكلهم للضباب كان فاشيًا عندهم، معمولًا به في الحاضرة، وفي البادية، ولذلك قال عمر - رضي الله عنه -: إنه طعام عامة الرُّعاء، ولو كان عندي طعمته.
وإنكار ابن عباس على الذي نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرِّمه) إنما كان لأنَّه فهم من الناقل: أنه اعتقد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحكم في الضبِّ بشيء، ولذلك قال له: بئس ما قلت، ما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا محرِّمًا ومحلِّلًا. ثم بيَّن له بعد ذلك الدليل على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أباحه، فذكر الحديث.