للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمَّا أَهوَيتُ لِأَقتُلَهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ.

رواه أحمد (٦/ ٤ - ٦)، والبخاري (٤٠١٩)، ومسلم (٩٥)، وأبو داود (٢٦٤٤).

ــ

وإذا لم يكن قتلُهُ كبيرةً، لم يصحَّ لأحدٍ - وإن كان مكفِّرًا بالكبائر - أن يقول (١): هذا كُفرٌ بوجه؛ فدلَّ ذلك على أنَّه متأوِّل. وقد اختُلِفَ في تأويله؛ فقال أبو الحسنِ بنُ القَصَّار: هو مثلُهُ في كونِهِ غيرَ معصومِ الدمِ مُعَرَّضًا للقِصَاص.

قال المؤلف - رحمه الله -: وهذا ليس بشيء؛ لانتفاء سَبَبِ القصاص، وهو العَمدُ العدوان، وذلك منتفٍ هنا قطعًا؛ لأنَّ المقدادَ تأوَّلَ ما تأوَّله أسامةُ بن زيد: أنَّه قال ذلك خَوفًا مِنَ السِّلَاحِ؛ أَلَا تَرَى قولَ المقداد: إِنَّهُ قَد قَطَعَ يَدِي، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَلَمَّا أَهوَيتُ لِأَقتُلَهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَاّ الله؟ غير أنَّ هذا التأويلَ لم يُسقِط عنهما التوبيخَ والذم، ولا توقع المطالبةَ بذلك في الآخرة؛ أَلَا ترى قوله - عليه الصلاة والسلام - لأسامة: كَيفَ تَصنَعُ (٢) بِلَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ إِذَا جَاءَت يَومَ القِيَامَةِ؟ ! ، وكرَّر ذلك عليه، ولم يَستغفِر له مع سؤالِ أسام ذلك من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

وإنما لم يُسقِط عنه التوبيخَ والتأثيمَ وإن كان متأوِّلاً؛ لأنَّه أخطَأَ في تأويله؛ وعلى هذا: يمكنُ أن يحمل قوله: إِنَّكَ بِمَنزِلَتِهِ قَبلَ أَن تَقتُلَهُ، على أنَّه بمنزلتِهِ في استحقاقِ الذمِّ والتأثيم، ويكونُ هذا هو التأويل الثاني فيه، غير أنَّ الاستحقاقَ فيهما مختلفٌ؛ فإنَّ استحقاقَ المقداد (٣) لذلك الاستحقاقُ مقصِّرٍ في اجتهاد مؤمن، والآخَرُ استحقاقُهُ استحقاقُ كافر، وإنما وقع التشبيهُ بينهما في مجرَّدِ الاستحقاقِ فقط، والله أعلم.

التأويلُ الثالث: أنَّه بمنزلتِهِ في إخفاءِ الإيمان، أي: لعلَّه ممن كان يخفي


(١) في (ع): يقولوا.
(٢) في (ل) و (ط): تصنع غدًا، ولفظة غدًا ليست في صحيح مسلم ولا التلخيص ولا (ع) ولا (م).
(٣) في (ع): المقدام.

<<  <  ج: ص:  >  >>