ويُفهم من هذه الآية أيضًا: الحكم بتنجيس الخمر. وهو مذهب كافة علماء السَّلف والخلف إلا شذوذًا. وإليه ذهب ربيعة، وحكي عن الليث، والمزني. ووجه التمسك بها على التَّنجيس: أن الله تعالى قد أخبر عنها أنها رجس، والرجس: النجس القذر، فتنجس. وأيضًا: فلما غلَّظ تحريمها، وأخبر بالمفاسد النَّاشئة عنها اقتضى ذلك الزجر عنها مطلقًا، مبالغة في التحريم، كما فعل في الخنزير، والدم، وغير ذلك من الخبائث المحرمات. ويتحرَّر القياس بأن يقال: مستخبث شرعًا حرم شربه، فيكون نجسًا كالبول.
وفي الآية مباحث كثيرة، سنكتب فيها إن شاء الله تعالى جزءًا مفردًا.
و(قوله: قال بعضهم: قُتِل فلان، قُتِل فلان، وهي في بطونهم) هذا القول أصدره عن قائله إما غلبة خوف وشفقة، وإما غفلة عن المعنى. وبيان ذلك: أن الخمر كانت مباحة لهم، كما قد صحَّ أنهم كانوا يشربونها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يُقرّهم عليها. وهو ظاهر قوله تعالى:{لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكَارَى} ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له، ولا عليه شيء، لا إثم، ولا مؤاخذة، ولا ذمٌّ، ولا أجر، ولا مدح؛ لأنَّ المباح مستوي الطرفين بالنسبة للشرع كما يعرف في الأصول. وعلى هذا: فما ينبغي أن يُتخوَّف ولا يُسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها، فإمَّا أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة، فلم يخطر له، أو يكون لغلبة خوفه من الله تعالى، وشفقته على إخوانه المؤمنين توهَّم مؤاخذة، ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدِّم، فإنَّ الشفيقَ بسوءِ الظنِّ مولعٌ، فرفع الله ذلك التوهُّم بقوله تعالى:{لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}؛ أي: فيما شربوا. وهذا مثل قوله تعالى في نَهر طالوت:{فَمَن شَرِبَ مِنهُ فَلَيسَ مِنِّي وَمَن لَم يَطعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}؛