للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يُلزِمهُ الكَفَّارةَ، والعاقلةَ الديةَ؟ فالجوابُ: أنَّ ذلك مسكوتٌ عنه (١)، وغيرُ منقولٍ شيءٌ منه في الحديث ولا في شيءٍ من طرقه؛ فيَحتَمِلُ أن يكونَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حكَمَ بلزومِ ذلك أسامةَ وعاقلتِهِ ولم يُنقَل، وفيه بعد؛ إذ لو وقَعَ شيءٌ من ذلك، لَنُقِلَ في طريقٍ من الطرق، مع أنَّ العادة تقتضي التحدُّثَ بذلك والإشاعةَ. وَيَحتملُ أن يقال: إنَّ ذلك كان قبل نزولِ حُكمِ الكفَّارة والدية، والله أعلم.

وقد أجاب أصحابنا عن عدمِ إلزامِ الدية بأجوبةٍ، نذكُرُهَا على ضَعفها:

أحدها: إنَّها لم تَلزَمهُ ولا عاقلتَهُ؛ لأنَّه كان مأذونًا له في أصل القتال؛ فلا يكونُ عنه مِن إتلافِ نفسٍ أو مال؛ كالخاتِنِ والطَّبِيب.

وثانيها: إنَّما لم يَلزَمهُ ذلك؛ لأنَّ المقتولَ كان من العدو وفيهم، ولم يكن له وليٌّ من المسلمين يستحقّ ديته، فلا تجبُ فيه ديةٌ؛ كما قال الله تعالى: فَإِن كَانَ مِن قَومٍ عَدُوٍّ لَكُم وَهُوَ مُؤمِنٌ فَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنَةٍ ولم يحكُم فيه بسوى الكفَّارة؛ وهذا يتمشَّى على مذهب ابنِ عبَّاسٍ وجماعةٍ من أهل العلم في الآية.

وقد ذهب بعضهم: إلى أنَّ الآية فيمن كان أولياؤُهُ مُعَانِدين، وقد ذُكِرَ عن مالك، والمشهورُ عنه: أنها فيمَن لم يهاجِر من المسلمين؛ لقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِن وَلَايَتِهِم مِن شَيءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا.

وثالثها: أنَّ أسامةَ اعترَفَ بالقتل، ولم تَقُم بذلك بيِّنة، ولا تَعقِلُ العاقلةُ عمدًا ولا عبدًا، ولا صُلحًا ولا اعترافًا، ولم يكن لأسامةَ مالٌ فيكونَ فيه الديةُ.

قال المؤلف رحمه الله: وهذه الأوجُهُ لا تسلَمُ عن الاعتراض، وتتبُّعُ ذلك يُخرِجُ عن المقصود. ولم أجد لأحدٍ من العلماء اعتذارًا عن سقوطِ إلزامِ الكفارة؛ فالأَولى التمسُّكُ بالاحتمالَين المتقدِّمَين، والله أعلم (٢).


(١) في (ل) و (ط): مشكوك فيه.
(٢) في (م): والله أعلم بغيبه وأحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>