وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (كل مصوِّر في النار) محمله على مصوري ذوات الأرواح، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم).
و(قوله: كلف أن ينفخ فيها الرُّوح) من هنا رأى ابن عباس: أن تصوير ما ليس له روح يجوز هو والاكتساب به. وهو مذهب جمهور السَّلف والخلف. وخالفهم في ذلك مجاهد فقال: لا يجوز تصوير شيء من ذلك كله، سواء كان له روح، أو لم يكن؛ متمسِّكًا في ذلك بقول الله تعالى (١): (ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرَّة، وليخلقوا حبَّة، وليخلقوا شعيرة) فعمَّ بالذمِّ والتهديد، والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله تعالى. وقد دلَّ هذا الحديث: على أن الذمَّ والوعيد إنما علِّق بالمصورين من حيث تشبَّهوا بالله تعالى في خلقه، وتعاطوا مشاركة فيما انفرد الله تعالى به من الخلق والاختراع. وهذا يوضح حجَّة مجاهد. وقد استثنى الجمهور من الصور لعب البنات كما تقدَّم. وشذَّ بعض الناس فمنعها، ورأى أن إباحة ذلك منسوخة بهذا النهي. وهو ممنوع من ذلك، مطالب بتحقيق التعارض والتاريخ، واستثنى بعض أصحابنا من ذلك النهي ما لا يبقى كصور الفخار، والشمع، وما شاكل ذلك، وهو مطالب بدليل التخصيص، وليس له عليه نصٌّ، بل ولا ظاهر، وإنَّما هو نظر قاصر يرده المعنى الذي قررناه، والظواهر.