للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَرَجَعتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَن تَأتِيَنَا؟ فَقُلتُ: إِنِّي أَتَيتُكَ فَسَلَّمتُ عَلَى بَابِكَ ثَلَاثًا فَلَم ترد عَلَيَّ فَرَجَعتُ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِذَا استَأذَنَ أَحَدُكُم ثَلَاثًا فَلَم يُؤذَن لَهُ فَليَرجِع. فَقَالَ عُمَرُ: أَقِم عَلَيهِ البَيِّنَةَ، وَإِلَّا أَوجَعتُكَ.

ــ

الذي نصَّ الله تعالى عليه بقوله: {لا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُم حَتَّى تَستَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهلِهَا} ثم قال بعد ذلك: {فَإِن لَم تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدخُلُوهَا حَتَّى يُؤذَنَ لَكُم وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارجِعُوا فَارجِعُوا} وهذا لا بدَّ منه؛ لأنَّ دخول منزل الغير تصرُّف في ملكه، ولا يجوز بغير إذنه؛ لأنَّه يطلع منه على ما لا يجوز الاطلاع عليه من عورات البيوت، فكانت هذه المصلحة في أعلى رتبة المصالح الحاجيَّة.

ولما تقرَّر هذا شرعًا عند أبي موسى استأذن أبو موسى على عمر - رضي الله عنهما -، ولما كان عنده علم بكيفية الاستئذان وعدده: عمل على ما كان عنده من ذلك. فلما لم يؤذن له: رجع. وأما عمر - رضي الله عنه - فكان عنده علم بالاستئذان، ولم يكن عنده علم من العدد، فلذلك أنكره على أبي موسى إنكار مستبعد من نفسه أن يخفى عليه ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ملازمته النبي - صلى الله عليه وسلم - حضرًا وسفرًا ملازمة لم تكن لأبي موسى ولا لغيره، وإنكار من يسد باب الذريعة في التقوُّل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك أغلظ على أبي موسى بقوله: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك، ولأجعلنك عظة. فلما أتاه بالبينة قال: إنما أحببت أن أتثبت.

وفي هذا الحديث أبواب من الفقه؛ فمنها: أن لا بد أن يكون ثلاثًا، فإذا لم يؤذن له بعد الثلاث؛ فهل يزيد عليها أو لا؟ قولان لأصحابنا. الأولى أن لا يزيد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع) وهذا نصٌّ. وإنَّما خصَّ الثلاث بالذكر؛ لأنَّ الغالب أن الكلام إذا كُرر ثلاثًا سمع وفهم. ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه، وإذا سلَّم على قومٍ سلَّم عليهم ثلاثًا. وإذا كان الغالبُ هذا، فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>