كما سلَّم على الأحياء، فقال:(السَّلام عليكم دار قومٍ مؤمنين)(١) ويتأكد تقديم لفظ السَّلام إذا تنزلنا على أن اسم السَّلام من أسماء الله تعالى، فإنَّ أسماءه تعالى أحقُّ بالتقديم. وأما الرادُّ: فالواجب عليه أن يردَّ ما سمعه، والمندوب أن يزيد إن بقَّى له المبتدئ ما يزيد، فلو انتهى المبتدئ بالسلام إلى غايته؛ التي هي: السَّلام عليك ورحمة الله وبركاته؛ لم يزد الرادُّ على ذلك شيئًا؛ لأنَّ السلام انتهى إلى البركة، كما قال عبد الله بن عباس. وقد أنكر عبد الله بن عمر على من زاد على ذلك شيئًا، وهذا كلُّه مستفادٌ من قوله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحسَنَ مِنهَا أَو رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا} أي: يحاسب على الأقوال كما يحاسب على الأفعال.
و(قوله: ما لكم ولمجالس الصُّعدات، اجتنبوا مجالس الصُّعدات) الصُّعدات: جمع صعيد، وهو الطريق مطلقًا. وقيل: الطريق الذي لا نبات فيه؛ مأخوذ من الصعيد، وهو: التراب على قول الفرَّاء، أو وجه الأرض على قول ثعلب. ويجمع: صُعُدا، وصعدات، كطرق وطرقات. وقد جاء الصعيد في الرواية الأخرى مفسَّرًا بالطريق. وهذا الحديث إنكارٌ للجلوس على الطرقات، وزجرٌ عنه، لكن محمله على ما إذا لم ترهق إلى ذلك حاجة، كما قالوا: ما لنا من ذلك بُدٌّ؛ نتحدَّث فيها. لكن العلماء فهموا: أن ذلك المنع ليس على جهة التحريم، وإنَّما هو من باب سدِّ الذرائع، والإرشاد إلى الأصلح، ولذلك قالوا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدَّث؛ أي: نتذاكر العلم والدين، ونتحدَّث بالمصالح والخير، ولما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم ذلك، وتحقَّق حاجتهم إليه؛ أباح لهم ذلك، ثم
(١) رواه أحمد (٢/ ٣٠٠ و ٤٠٨)، ومسلم (٢٤٩)، والنسائي (١/ ٩٣، ٩٥)، وابن ماجه (٤٣٠٦).