للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا الآخَرُ فَاستَحيَا، فَاستَحيَا اللَّهُ مِنهُ،

ــ

ومعنى ذلك: أن هذا الرجل لما انضم إلى الحلقة ونزل فيها، جازاه الله تعالى على ذلك بأن ضمه إلى رحمته، وأنزله في جنته وكرامته.

ففيه: الحضُّ على مجالسة العلماء، ومداخلتهم، والكون معهم؛ فإنَّهم القومُ الذين لا يشقى بهم جليسهم.

وفيه: التحلق لسماع العلم في المسجد حول العالم، والحضُّ على سدِّ خلل الحلقة؛ لأنَّ القرب من العالم أولى، لما يحصل من ذلك من حسن الاستماع، والحفظ، والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة. يُتَمُّ الصَّف الأول، فإنَّ كان نقص ففي المؤخر.

و(الحَلقة) بفتح الحاء وسكون اللام، وكذلك حلقة الباب. والحلقة: الدروع، والجمع: الحلق على غير قياس. وقال الأصمعي: الجمع حِلَق، مثل: بَدرَة وبِدَر، وقَصعة وقِصَع، وحكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء: حَلَقة - في الواحد بتحريك اللام - والجمع: حَلَق، وحَلَقات. وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام حَلَقة - بتحريك اللام - إلا قولهم: هؤلاء قوم حَلَقة: جمع حالق للشعر.

و(قوله: وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه) كأن هذا الثالث كان متمكِّنًا من المزاحمة؛ إذ لو شرع فيها لفسح له؛ لأنَّ التَّفسُّح في المجلس مأمورٌ به، مندوبٌ إليه، لكن منعه من ذلك الحياء فجلس خلف الصف الأول، ففاتته فضيلة التقدُّم، لكنه جازاه الله على إصغائه، واستحيائه بأن لا يعذبه، وبأن يكرمه. وقد تقدَّم الكلام في الحياء، واستحياء الله تعالى، وأن معناه في حقه تعالى: أنه يعامل عبيده بما يعامل به من يستحيي منه؛ من المغفرة والكرامة؛ كما قد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يستحيي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه) (١).


(١) رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (١٠/ ١٤٩) وذكر الهيثمي في إسناده ضعفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>