للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نفسها، وإن تصوير تلك الصورة، وتمثيل ذلك المثال ليس من قبل الشيطان، إذ لا سبيل له إلى ذلك، وإنما ذلك من قبل الله تعالى. وهذا مذهب القاضي أبي بكر وغيره من المحققين. وقد شهد لذلك قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: من رآني فقد رآني الحق، أي: الحق الذي قصد إعلام الرائي به، وإذا كانت تلك حقًّا فينبغي أن يبحث عن تأويلها، ولا يُهمل أمرها، فإنَّ الله تعالى إنما مثَّل ذلك للرائي بشرى، فينبسط للخير، أو إنذارًا لينزجر عن الشر. أو تنبيهًا على خير يحصل له في دين، أو دنيا. والله تعالى أعلم.

تنبيه: قد قررنا أن المدرك في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفس المرئيات، غير أن تلك الأمثلة تارة تكون مطابقة لحقيقة المرئي، وقد لا تكون مطابقة. ثم المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدركت في النوم، كما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: أريتك في سَرَقَةٍ (١) من حرير، فإذا هي أنت (٢)، ومعناه: أنه رآها في نومه على نحو ما رآها في يقظته.

قلت: وقد وقع لي هذا مرات. منها: أني لما وصلت إلى تونس قاصدًا إلى الحج سمعت أخبارًا سيِّئةٍ عن البلاد المصرية من جهة العدو الذي غلب على دمياط، فعزمت على المقام بتونس إلى أن ينجلي أمر العدو، فأُريت في النوم كأني في مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا جالس قريبًا من منبره، وأُناس يسلمون على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجاءني بعض من سلَّم عليه، فانتهرني وقال: قم فسلِّم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقمت فشرعت في السلام على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاستيقظت، وأنا أسلِّم عليه، فجدَّد الله لي عزمًا، ويَسَّر عليَّ فيما كان قد صعب من أسبابي، وأزال عني ما كنت أتخوَّفه من أمر العدو، وسافرت إلى أن وصلت إلى الإسكندرية عن مدة مقدارها ثلاثون يومًا


(١) أي: في قطعةٍ من جيِّد الحرير، وجمعها: سَرَق.
(٢) رواه أحمد (٦/ ٤١ و ١٢٨ و ١٦١)، والبخاري (٣٨٩٥)، ومسلم (٢٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>