وقوله في الحديث الآخر: إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني) هذا ضرب مثل لحاله في الإنذار، ولأحوال السَّامعين لإنذاره، فإنَّه أنذرهم بما علمه من عقاب الله، وبما يتخوف عليهم من فجأته، فمن صدَّقه نجا، ومن أعرض عنه هلك. وهذا بخلاف التمثيل في الحديث الأوَّل، فإنَّ ذلك بالنسبة إلى تحصيل العلم والانتفاع به، وإلى الإعراض عنه، فهما مثلان مختلفان.
و(قوله: وإنِّي أنا النذير العُريان) هذا مثل، قيل كان أصله: أن رجلًا مُعيَّنًا سلبه العدو، فانفلت منهم، فأنذر قومه عريانًا. وقيل: كان الرَّجُل من العرب إذا رأى ما يوجب إنذار قومه تجرَّد من ثيابه، وأشار إليهم ليعلمهم بما دهمهم، وهذا أشبه، وأليق بمقصود الحديث.
والنجاء: السرعة، وهو منصوب على المصدر، وهو بالمد، وقيل: بالقصر. حكاه أبو زيد (١)، ولو تكرر لفظه لوجب نصبه.
وأدلجوا: ساروا من أول الليل إدلاجًا، والاسم: الدَّلج، والدَّلجة - بفتح الدال - والادلاج: الخروج من آخر الليل، والمصدر: الادلاج، والاسم: الدُّلجة
(١) هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، من أئمة الأدب واللغة في البصرة، توفي سنة ٢١٥ هـ.