للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٠٤] وعَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَأتِي الشَّيطَانُ أَحَدَكُم فَيَقُولُ: مَن خَلَقَ كَذَا وَكَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ لَهُ: مَن خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ، فَليَستَعِذ بِاللهِ وَليَنتَهِ.

ــ

تَنفِرُ منها قلوبُهُم، ويَعظُمُ عليهم وقوعُهَا عندهم، وذلك دليل صِحَّةِ إيمانهم ويقينِهِم ومعرفتِهِم بأنَّها باطلة، ومن إلقاءاتِ الشيطان (١)، ولولا ذلك، لركنوا إليها، وَلَقَبِلوها، ولم تَعظُم عندهم، ولا سَمَّوهَا وسوسةً، ولمَّا كان ذلك التعاظُمُ، وتلك النُّفرَةُ عن ذلك الإيمانَ، عبَّر عن ذلك بأنَّه خالصُ الإيمان، ومحضُ الإيمان؛ وذلك مِن باب تسميةِ الشيءِ باسمِ الشيء؛ إذا كان مُجَاوِرًا له، أو كان منه بِسَبَبٍ.

و(قوله: فَليَستَعِذ بِاللهِ، وَليَنتَهِ) لمَّا كانت هذه الوساوسُ مِن إلقاءِ الشيطان، ولا قُوَّةَ لأحدٍ بدفعِهِ إلا بمعونةِ الله وكفايتِهِ: أمَرَ بالالتجاءِ إليه، والتعويلِ في دفع ضرَرِهِ عليه، وذلك معنى الاستعاذةِ على ما يأتي، ثم عقَّب ذلك بالأمرِ بالانتهاءِ عن تلك الوساوسِ والخواطرِ، أي: عن الالتفاتِ إليها والإصغاءِ نحوها، بل يُعرِضُ عنها ولا يبالي بها. وليس ذلك نهيًا عن إيقاعِ ما وَقَعَ منها، ولا عن أَلَاّ يقَعَ منه؛ لأنَّ ذلك ليس داخلاً تحت الاختيار ولا الكَسب، فلا يكلَّفُ بها، والله أعلم (٢).

و(قوله في الحديث الآخر: قُل: آمَنتُ بِاللهِ) أمرٌ بتذكُّرِ (٣) الإيمانِ الشرعيِّ، واشتغالِ القلب به؛ لِتُمحَى تلك الشبهات، وتَضمَحِلَّ تلك التُّرَّهَات. وهذه كلُّها أدويةٌ للقلوبِ السليمة، الصحيحةِ المستقيمة، التي تَعرِضُ الترهاتُ لها، ولا تَمكُثُ فيها؛ فإذا استُعمِلَت هذه الأدويةُ على نحو ما أمر به، بَقِيَتِ القلوبُ على صِحَّتها، وانحفَظَت سلامتها.

فأمَّا القلوبُ التي تمكَّنَت منها أمراضُ الشُّبَه فيها، ولم تَقدِر على


(١) في (ع): الشياطين.
(٢) في (م): والله أعلم بغيبه وأحكم.
(٣) في (ط): تذكير.

<<  <  ج: ص:  >  >>