للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هِيَ أَرضي فِي يَدِي أَزرَعُهَا، لَيسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِلحَضرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قَال: لا، قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ، قَالَ: يَا رسولَ الله،

ــ

أنَّ المُدَّعِيَ لا يلزمُهُ تحديدُ المُدَّعَى به إن كان مما يُحَدُّ، ولا أن يصفه بجميعِ أوصافه كما يوصفُ المُسلَمُ فيه، بل يكفي من ذلك أن يتميَّز المدعَى به تمييزًا تنضبطُ به الدعوى، وهو مذهبُ مالك.

خلافًا لما ذهَبَت الشافعيَّة إليه؛ حيثُ ألزموا المدعيَ أن يَصِفَ المُدَّعَى به (١) بحدودِهِ وأوصافِهِ المعيَّنةِ التامَّة، كما يوصفُ المُسلَمُ فيه. وهذا الحديثُ حُجَّةٌ عليهم؛ أَلَا ترى أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يُكَلِّفهُ تحديدَ الأرضِ ولا تعيينَهَا، بل لمَّا كانتِ الدعوَى متميِّزةً في نفسها، اكتفَى بذلك.

وظاهرُ هذا الحديثِ: أنَّ والد المدَّعِي قد كان توفِّي، وأنَّ الأرضَ صارت للمدَّعِي بالميراث، ومع ذلك فلم يطالبه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإثباتِ الموتِ ولا بِحَصرِ الورثة؛ فَيَحتملُ أن يقال: إنَّ ذلك كان معلومًا عندهم، وَيَحتملُ أن يقالَ: لا يلزمُهُ إثباتُ شيء من ذلك، ما لم يناكرهُ خَصمه، والله أعلم.

وفيه دليلٌ على أنَّ مَن نسَبَ خَصمَهُ إلى الغَصبِ حالةَ المحاكمة، لم يُنكِرِ الحاكمُ عليه، إلا أن يكونَ المقولُ له ذلك لا يَلِيقُ به.

و(قوله: هِيَ أَرضِي فِي يَدِي أَزرَعُهَا، لَيسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ) دليلٌ على أنَّ المدعَى فيه لا يُنتَزَعُ من يدِ صاحبِ اليدِ لمجرَّدِ الدعوَى، وأنَّه لا يُسأَلُ عن سببِ يدِهِ، ولا عن سببِ ملكه.

وقوله للحضرمي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ وفي الطريق الأخرى: شَاهِدَاكَ أو يَمِينُهُ، دليلٌ على أنَّ المدعي يلزمُهُ إقامةُ البيِّنة، فإن لم يُقِمهَا، حَلَفَ المدعى عليه؛ وهو أمرٌ متَّفَقٌ عليه، وهو مستفادٌ من هذا الحديث.

فأمَّا ما يُروَى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من


(١) ما بين حاصرتين يساقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>