للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَمَّا أَدبَرَ: أَمَا لَئِن حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأكُلَهُ ظُلمًا، لَيَلقَيَنَّ اللهَ وهو عَنهُ مُعرِضٌ.

رواه مسلم (١٣٩)، وأبو داود (٣٢٤٥)، والترمذي (١٣٤٠).

[١٠٧] ومِن حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَن

ــ

و(قوله: شَاهِدَاكَ أو يَمِينُهُ) دليلٌ على اشتراطِ العددِ في الشهادة، وعلى انحصارِ طُرُقِ الحِجَاجِ في الشاهد واليمين، ما لم يَنكُلِ المُدَّعَى عليه عن اليمين، فإن نَكَلَ، حلَفَ المدَّعي واستحَقَّ المدعَى فيه، فإن نكل، فلا حُكمَ، ويُترَكُ المدعَى فيه في يد مَن كان بيده، وسيأتي القولُ في الشاهد واليمين.

و(قوله: لَيَلقَيَنَّ اللهَ وهو عَنهُ مُعرِضٌ) أي: إعراضَ الغضبان، كما قال في الحديث الآخر: وهو عَلَيهِ غَضبَانُ. وقد تقدَّم القولُ في غضبِ الله تعالى وفي رضاه، وأنَّ ذلك محمولٌ إمَّا (١) على إرادةِ عقابِ المغضوبِ عليه وإبعادِهِ، وإرادةِ إكرامِ المرضِيِّ عنه. أو على ثَواب تلك الإرادة، وهو الإكرامُ أو الانتقامُ. وفيه: دليلٌ على نَدبِيَّةِ وَعظِ المُقدِمِ على اليمين.

و(قوله: فَانطَلَقَ لِيَحلِفَ) دليلٌ على أنَّ اليمينَ لا تُبذَلُ أمام الحاكم، بل لها موضعٌ مخصوص، وهو أعظَمُ مواضعِ ذلك البلد؛ كالبيتِ بمكَّة، ومِنبَرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، ومَسجِدِ بيت المَقدِس، وفي المساجِدِ الجامعةِ من سائرِ الأمصار؛ لكنَّ ذلك فيما ليس بتافِهٍ، وهو مما لا تُقطَعُ فيه يَدُ السارق، وهو أَقَلُّ من رُبُعِ دينار عند مالكٍ؛ فيحلَّفُ فيه حيثُ كان مستقبِلَ القبلة، وفي ربعِ الدينار فصاعدًا؛ لا يُحَلَّفُ إلا في تلك المواضع، وخالفه أبو حنيفة في ذلك، فقال: لا تكونُ اليمينُ إلا حيثُ كان الحاكم.

وظاهرُ هذا الحديث: أنَّ المدعَى عليه إذا حلَفَ، انقطعَت حجةُ خَصمه، وبقي المدعَى فيه بيدِهِ، وعلى ملكِهِ في ظاهر الأمر، غيرَ أنَّه لا يَحكُمُ له الحاكمُ بملك ذلك؛ فإنَّ غايتَهُ أنه حائز، ولم يَجد ما يزيله عن حَوزه، فلو سأل المطلوبُ تعجيزَ الطالبِ بحيثُ لا تَبقَى له حُجَّةٌ، فهل للحاكمِ تعجيزُهُ وقطعُ حُجَّته أم لا؟ قولان بالنفي والإثبات. وفي هذا الحديثِ أبوابٌ من علمِ القَضَاءِ لا تخفَى.


(١) ساقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>