للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يستعملوا في شيء منها (١) أفكارهم، ولا حدقوا نحوها بصائرهم، ولا أنظارهم، فهو قول باطل، لما يعلم قطعًا أنهم مكلفون بمعرفة الله، ومعرفة صفاته وأحكامه، ومأمورون بها، والضروري لا يكلف به، لأنَّه حاصل، والحاصل لا يطلب، ولا يبتغى، ولأن الإنسان لا يتمكن من ترك ما جبل عليه، ولا من فعله، وما كان كذلك لم يقع في الشريعة التكليف به بالنص والإجماع. وإنما الخلاف في جوازه عقلًا، وإن أراد به أن تلك العلوم تصير في حقهم ضرورية بعد تحصيلها بالطرق النظرية، والقيام بالوظائف التكليفية، فتتوالى عليهم تلك العلوم، فلا يتأتى لهم التشكك فيها، ولا الانفكاك عنها، فنقول: ذلك صحيح في حق الأنبياء قطعًا، وخصوصًا في حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما هو المعلوم من حاله وحالهم صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وأما غيرهم فيجوز أن يكرم الله تعالى بعض أوليائه بشيء من نوع من ذلك، لكن على وجه الندور والقلة، وليس مُطردًا في كل الأولياء، ومن فُتِح له بشيء من ذلك في بعض الأوقات وبعض المعلومات، ويكون ذلك خرقًا للعادات، فإنَّ سنة الله تعالى في العلوم النظرية: أنها لا تتوالى، ولا تدوم، ويمكن أن يُتشكِّكَ فيما كان منها معلومًا، هذه سنة الله الجارية، وحكمته الماضية، ولن تجد لسنة الله تبديلًا ولا تحويلًا.

و(قول عائشة رضي الله عنها: صنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرًا فترخص فيه) أي: فعل أمرًا ترك فيه التشديد لأنه رخص له فيه، كما قال في طريق آخر: ما بال رجال يرغبون عما رُخِّص لي فيه (٢) ولعل هذا من عائشة رضي الله عنها إشارة لحديث النَّفر الذين استقلوا عبادة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي ولا أنام، وقال الآخر: وأنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا لا أنكح النساء، فلما بلغ


(١) في (م ٣): من ذلك.
(٢) رواه مسلم (٢٣٥٦) (١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>