قال: فما أتى على أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أشدُّ (١) منه. قال: غطوا رؤوسهم، ولهم خنين، والرواية المشهورة بالخاء المعجمة، وقد رواه العذري بالحاء المهملة، فالمعجمة: معناها البكاء مع تردُّد الصوت، وقال أبو زيد: الخنين: ضرب من الحنين، وهو الشديد من البكاء.
وقوله في هذه الرواية: إنه بلغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أصحابه شيء أي: عن بعض أصحابه، وذلك أنه بلغه - والله تعالى أعلم -: أن بعض من دخل في أصحابه، ولم يتحقق إيمانه: همَّ أن يمتحن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأسئلة، ويكثر عليه منها ليعجزه، وهذا كان دأب المنافقين وغيرهم من المعادين له ولدين الإسلام، فإنَّهم كانوا:{يُرِيدُونَ أَن يُطفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفوَاهِهِم وَيَأبَى اللَّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَو كَرِهَ الكَافِرُونَ} ولذلك لما فهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك قال لهم في هذا المجلس: سلوني، سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به، فكل من سأله في ذلك المقام عن شيء أخبره به - أحبَّه أو كرهه - ولذلك أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسأَلُوا عَن أَشيَاءَ إِن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم وَإِن تَسأَلُوا عَنهَا حِينَ يُنَزَّلُ القُرآنُ تُبدَ لَكُم عَفَا اللَّهُ عَنهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} فأدَّبهم الله تعالى بترك السؤال عما ليس بِمُهم، وخصوصًا عما تقدَّم من أحوال الجاهلية التي قد عفا الله عنها، وغفرها، ولما سمعت الصحابة