للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن الجملة التي بعده صفة له، أي: عن وطن لم ينب بي جنابه، أي: غير ناب. ويصح أن تكون إضافة عبدي محضة ومعرفة، ويعني به: عبدي المكرم عندي، كما قال: {إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ} أي: عبادي المكرمون عندي، والمشرفون لدي، وقد شهد لهذا المعنى ما قد روي في كتاب أبي داود في هذا الحديث: لا ينبغي لنبي أن يقول: أنا خير من يونس (١)، كما قد روي أيضًا ما يشهد بتنكير عبد في كتاب مسلم: لا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس (٢)، وعلى هذا فيقيد مطلق الرواية الأولى بمقيد هذه الرواية، فيكون معناه: لا ينبغي لعبد نبي أن يقول: أنا خير من يونس. وهذا هو الأولى، لأنَّه من ليس بنبي لا يمكنه بوجه أن يقول: أنا أفضل من النبي، لأنه من المعلوم الضروري عند المتشرعين: أن درجة النبي لا يبلغها ولي، ولا غيره، وإنما يمكن ذلك في الأنبياء، لأنهم صلوات الله وسلامه عليهم قد تساووا في النبوة، وتفاضلوا فيما بينهم بما خصَّ به بعضهم دون بعض، فإنَّ منهم من اتخذه الله خليلًا، ومنهم من اتخذه حبيبًا، ومنهم أولو العزم، ومنهم من كلَّم الله على ما هو المعروف من أحوالهم، وقد قال الله تعالى: {تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ} فإن قيل: إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم فكيف ينهي عن التفضيل؟ وكيف لا يقول من هو في درجة عليا: أنا خير من فلان، لمن هو دونه، على جهة الإخبار عن المعنى الصحيح؟ فالجواب: أن مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ، لا المنع من اعتقاد معناه أدبًا مع يونس، وتحذيرًا من أن يفهم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ. وإنما خصَّ يونس ـ عليه السلام ـ بالذكر في هذا الحديث، لأنَّه لما دعا قومه للدخول في دينه، فأبطؤوا عليه ضجر، واستعجل بالدعاء عليهم، ووعدهم بالعذاب بعد


(١) رواه أبو داود (٤٦٧٠).
(٢) رواه مسلم (٢٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>