رواه أحمد (٢/ ٢٩٦)، ومسلم (٢٣٧٩)، وابن ماجه (٢١٥٠).
* * *
ــ
بقوله: فعن معادن العرب تسألوني؟ أي: عن أكرم أصولها، وقبائلها، وقد تقدَّم أن المعدن هو مأخوذ من عَدَن، أي: أقام، والعَدن: الإقامة، ولما كانت أصول قبائل العرب ثابتة سميت معادن. ثم قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، فمعنى هذا: أن من اجتمع له خصال شرف زمن الجاهلية من: شرف الآباء، ومكارم الأخلاق، وصنائع المعروف، مع شرف دين الإسلام، والتفقه فيه، فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدَّم أن الكرم: كثرة الخير والنفع، ولما كان تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقًا كان المتصف به أحق، فإنَّه أكرم الناس، لكن هذه قضية عامة، فلما نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيمن تعين في الوجود بهذه الصفة، ظهر له أن الأنبياء أحق بهذا المعنى، إذ لا يبلغ أحد درجتهم، وإن أحقَّهم بذلك من كان مُعرِقًا في النبوة، وليس ذلك إلا ليوسف، كما ذكر. ويخرج منه الرد على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء، إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى، ثم إنه لما نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين الأعم والأخص ظهر أن الأحق بذلك المعنى: نوع من الأنواع المتوسطة بين الجنس الأعم، والنوع الأخص، وظهر له أنهم أشراف العرب، ورؤساؤهم إذا تفقهوا في الدين، وعلموا وعملوا، فحازوا كل الرتب الفاخرة، إذ اجتمع لهم شرف الدنيا والآخرة.
وفيه ما يدلّ على شرف الفقه في الدين، وأن العالم يجوز له أن يجيب بحسب ما يظهر له، ولا يلزمه أن يستفصل السائل عن تعيين الاحتمالات، إلا إن خاف على السائل غلطًا، أو سوء فهم، فيستفصله، كما قررناه في الأصول.
و(قوله: كان زكريا نجارًا) يدل: على شرف النجارة، وعلى أن التحرُّف بالصناعات لا يغض من مناصب أهل الفضائل، بل نقول: إن الحرف والصناعات