إلى السماء والأرض - يريد الدُّنيا - كأنه يفسر ذلك الضمير، فكأنه قال: خير نساء الدنيا: مريم بنت عمران. وهذا نحو حديث ابن عباس المتقدِّم، الذي قال فيه: خير نساء العالمين: مريم. ويشهد لهذه الأحاديث في تفضيل مريم: قول الله تعالى حكاية عن قول الملائكة لها: {إِنَّ اللَّهَ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ}
فظاهر القرآن والأحاديث يقتضي: أن مريم أفضل من جميع نساء العالم، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، ويعتضد هذا الظاهر: بأنها صديقة ونبية بلَّغتها الملائكةُ الوحي عن الله تعالى بالتكليف، والإخبار، والبشارة، وغير ذلك، كما بلَّغته سائر الأنبياء، فهي إذًا نبيَّة، وهذا أولى من قول من قال: إنها غير نبيَّة، وإذا ثبت ذلك، ولم يسمع في الصحيح أن في النساء نبية غيرها فهي أفضل من كل النساء الأولين والآخرين، إذ النبي أفضل من الولي بالإجماع، وعلى هذا فهي أفضل مطلقًا، ثم بعدها في الفضيلة فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سيدة نساء العالمين: مريم، وفاطمة، ثم خديجة، ثم آسية (١) وهذا حديث حسن، رافع لإشكال هذه الأحاديث، فأمَّا من يرى: أن مريم صديقة وليست بنبيَّة فلهم في تأويل هذه الأحاديث طريقان:
أحدهما: أن معناها أن كل واحدة من أولئك النساء الأربع خير عالم زمانها، وسيدة وقتها.
وثانيهما: أن هؤلاء النسوة الأربع هن أفضل نساء العالم، وإن كنَّ في
(١) رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه. انظر: مجمع الزوائد (٩/ ٢٠١).