في مضارعه بالضم، وكمال كل شيء بحسبه، والكمال المطلق: إنما هو لله تعالى خاصة، ولا شك أن أكمل نوع الإنسان: الأنبياء، ثم تليهم الأولياء، ويعني بهم: الصديقين والشهداء الصالحين. وإذا تقرر هذا، فقد قيل: إن الكمال المذكور في الحديث، يعني به: النبوة، فيلزم أن تكون مريم وآسية نبيَّتين، وقد قيل بذلك، والصحيح: أن مريم نبيَّة، لأنَّ الله تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، كما أوحى إلى سائر النبيين، وأما آسية، فلم يرد ما يدلّ على نبوتها دلالة واضحة. بل على صديقيتها وفضيلتها. فلو صحَّت لها نبوتها لما كان في الحديث إشكال. فإنَّه يكون معناه: أن الأنبياء في الرجال كثير، وليس في النساء نبي إلا هاتين المرأتين. ومن عداهما من فضلاء النساء صديقات لا نبيَّات، وحينئذ يصحُّ أن تكونا أفضل نساء العالمين.
والأولى أن يقال: إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء، بل يندرج معه كمال الأولياء، فيكون معنى الحديث: إن نوعي الكمال وجد في الرجال كثيرًا، ولم يوجد منه في النساء المتقدِّمات على زمانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكمل من هاتين المرأتين، ولم يتعرض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث لأحد من نساء زمانه، إلا لعائشة خاصة، فإنَّه فضلها على سائر النساء، ويُستثنى منهن الأربع المذكورات في الأحاديث المتقدِّمة، وهنَّ: مريم بنت عمران، وخديجة، وفاطمة، وآسية، فإنَّهن أفضل من عائشة، بدليل الأحاديث المتقدِّمة في باب خديجة، وبهذا يصحُّ الجمع، ويرتفع التعارض إن شاء الله تعالى. وإنما كان الثريد أفضل الأطعمة ليسارة مؤنته، وسهولة إساغته، وعظيم بركته، ولأنه كان جلَّ أطعمتهم، وألذَّها بالنسبة إليهم ولعوائدهم، وأما غيرهم فقد يكون غير الثريد عنده أطيب وأفضل، وذلك بحسب العوائد في الأطعمة، والله تعالى أعلم.
و(قوله: إن جبريل يقرأ عليك السلام) يقال: أقرأته السلام، وهو يقرئك