فيحتمل أن يكون ذلك منه إعراضًا عنها، إذ لا أرب له فيها، فهي لذلك كئيبة حزينة، ويناسبه قولها بعده: ولا يولج الكف ليعلم البث أي: لا يمد يده إلي ليعلم ما أنا عليه من الحزن لإعراضه عنها فيزيله. ويحتمل أنه: إنما يفعل ذلك فشلًا وعجزًا، فإنَّ هذه نومة العجزان الكسلان، وعلى هذا فيجتمع فيه: أنه أكول، شروب، نؤوم، لا رغبة له في شيء غير ذلك.
واختلف في معنى قولها: ولا يولج الكفّ ليعلم البث، فأشار ابن الأعرابي إلى الأول، فإنَّه قال: إنما أرادت أنه إذا رقد التفّ في ناحية من البيت، ولم يضاجعني ليعلم ما عندي من محبتي لقربه. ولا بثَّ لها إلا محبَّتُها الدنوِّ منه، فسمته ذلك بثًّا، لأنَّ البث من جهته يكون. قال أبو عبيد: أحسب أنها كان بجسدها عيب، فكان لا يدخل يده في ثوبها كرمًا. وقال غيره: لا يمس عورتها، لأن ذلك قد يشق عليها في بعض الأوقات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: حتى تستحدَّ المغيبة (١)، وقال أحمد بن عبيد: معناه: لا يتفقد أموري فيعلم ما أكرهه فيزيله، يقال: ما أدخل يده في هذا الأمر، أي: لم يتفقَّده.
قلت: وقول ابن الأعرابي: أشبهها، وما ذكرته أنسبها، وعلى هذه الأقوال كلها فحديثها كله ذمٌّ، وأما على قول أبي عبيد، فإنَّها تكون قد مدحته بالإعراض والتغافل عن الاطلاع على ما يحزنها من عيب جسدها، وقد استبعد ابن قتيبة أن تكون تذمُّه بالوصفين المتقدِّمين وتمدحه بثالث.
قلت: وهذا لا بُعد فيه، فإنَّهن تعاقدن ألا يكتمن من أحوال أزواجهن شيئًا، فمنهن من كان زوجها مذموم الأحوال كلها، ومنهن من كان زوجها ممدوح الأوصاف كلها، ومنهم من جمع الأمرين، فأخبرت كل واحدة بما علمت.
و(قول السَّابعة: زوجي غياياء - أو عياياء- طباقاء) الرواية التي لا يعرف
(١) رواه البخاري (٥٢٤٥)، ومسلم (٧١٥). (١٨١) في كتاب الإمارة.