بشهر: أن كل من كان من بني آدم موجودًا في ذلك الوقت لا يزيد عمره على مائة سنة، وإنَّما قلنا: إنه أراد بني آدم، لأنَّه قال: من نفس منفوسة، ولا يتناول هذا الملائكة، ولا الجن، إذا لم يصح عنهم أنهم كذلك، ولا الحيوان غير العاقل، إذ قال فيه: ممن هو على ظهر الأرض أحد. وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل، فتعين: أن المراد بنو آدم، وقد استدل بعض الحفاظ المتأخرين على بطلان قول من يقول: إن الخضر حي بعموم: ما من نفس منفوسة فإنَّه من أنص صيغ العموم على الاستغراق، وهذا لا حجَّة فيه يقينية، لأنَّ العموم - وإن كان مؤكدًا للاستغراق - فليس نصًّا فيه، بل: هو قابل للتخصيص، لا سيما والخضر وإن كان حيًّا - كما يقال - فليس مشاهدًا للناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضًا، فمثل هذا العموم لا يتناوله كما لم يتناول عيسى عليه السلام، فلأنه لم يمت، ولم يقتل، فهو حي بنص القرآن، ومعناه. وكما لم يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة على ما يأتي، فإنَّ قيل: إنما لم يتناول هذا العموم عيسى، لأنَّ الله قد رفعه إليه، فليس هو على ظهر الأرض؛ لأنَّ المراد بذلك العموم: من كان من النفوس على ظهر الأرض، كما نص عليه في حديث ابن عمر. فالجواب: يمنع عموم الأرض المذكورة فيه، فإنه اسم مفرد دخل عليه الألف واللام، وهي محتملة للعهد والجنس، وهي هاهنا للعهد، لأنَّ الأرض التي يخاطبون بها، ويخبرون عن الكون فيها: هي أرض العرب، وما جرت عادتهم بالتصرف إليها وفيها غالبًا، دون أرض يأجوج ومأجوج، وأقاصي جزائر الهند والسند، مما لا يقرع السمع اسمه، ولا يعلم علمه، ولا جواب عن حديث الدجال. وعلى الجملة: فمن يستدل في المباحث القطعية بمثل هذا العموم فليس لكلامه حاصل ولا مفهوم. وسيأتي القول على قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (١) في آخر كتاب الفتن.
(١) رواه البخاري (٦٥١١)، ومسلم (٢٩٥٢) من حديث عائشة -رضي الله عنها-.