قريش لإنكار ذلك وتكذيبه. ولو كان منامًا لما أنكروه ولما افتُتِنَ به من افتُتِنَ؛ إذ كثيرًا ما يُرى في المنام أمورٌ عجيبةٌ وأحوالٌ هائلة، فلا يُستبعَد ذلك في النوم، وإنّما يُستبعَد في اليقظة.
ولا يُعارِض ما ذكرناه إلاّ ظاهرُ قوله تعالى: وَمَا جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلَّا فِتنَةً لِلنَّاسِ وألفاظٌ وقعت في بعض طُرُق أحاديث الإسراء، كقوله - عليه الصلاة والسلام -: بينا أنا نائمٌ، وقوله: فاستيقظتُ ونحو ذلك ممّا وقع في كتاب مسلم وغيرِه. وقد انفصل عن الآية بوجهين:
أحدهما: أنّ هذه قضيّة أخرى غيرُ الإسراء على ما ذكره عكرمة، قال: هي رؤيا دخول المسجد الحرام، والفتنة: الصدّ بالحُدَيبِية.
الثاني: أنّ الرؤيا بمعنى الرؤية والمعاينة، قاله ابن عبّاس في جماعة، والفتنة ارتداد من أنكر ذلك.
وأمّا قوله: بينا أنا نائم يعني في أوّل القصّة، وذلك أنّه كان قد ابتدأ نومه، فأتاه المَلَك فأيقظه. وفي بعض ألفاظِه بينا أنا بين النائمِ واليقظانِ أتاني المَلَك وذكر الحديث.
وقوله: فاستيقظتُ وأنا في المسجد الحرام؛ يحتمل أن يكون استيقاظه من نومٍ نامه بعد الإسراء؛ لأنّ إسراءه لم يكن طول ليلته، وإنّما كان في بعضها. ويحتمل أن يكون بمعنى. أفقتُ، وذلك ممّا كان غمر باطنَه من عجائب ما رأى، وطالع من ملكوت السماوات، وخامر (١) باطنَه من مشاهدة الملأ