للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِذَا هَاجَرَ لَم يَسأَل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَن شَيءٍ، قَالَ: فَسَأَلتُهُ عَن البِرِّ وَالإِثمِ،

ــ

قلت: هذا كله حكاية أبي عبد الله المازري، والذي ذكره أبو عمر في نسبه أنه قال: النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن ربيعة الكلابي. وبين النسبين زيادة في الأجداد، وتغيير في الأسماء، فتأمله.

و(قوله: أقمت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة) يعني: أنه أقام بالمدينة في صورة العازم على الرجوع إلى الوطن الذي جاء منه، لا أنه التزم أحكام الهجرة من الاستيطان بها، والكون فيها ساكنا بها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وهذا يدل على أن الهجرة ما كانت واجبة على كل من أسلم، وقد تقدم الخلاف في ذلك، وقد بين عذره في كونه لم يلتزم سكنى المدينة، وهو قوله: ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة، أي: الأسولة (١) التي كان يسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها، وإنما كان ذلك لأن المهاجرين والقاطنين بالمدينة كانوا يكلفونه المسائل، لأنَّهم ما كانوا يسألون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء، ولذلك قال: كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء. وقد تمم هذا المعنى أنس بن مالك حيث قال: نهينا أن نسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القرآن عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع. وقد تقدَّم القول في ذلك.

و(قوله: فسألته عن البر والإثم) أي: عما يبر فاعله فيلحق بالأبرار، وهم المطيعون لله تعالى. وعما يأثم فاعله، فيلحق بالآثمين، فأجابه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجواب جملي أغناه به عن التفصيل، فقال له: البر حسن الخلق يعني: أن حسن الخلق أعظم خصال البر، كما قال: الحج عرفة (٢) ويعني بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرفق في المجادلة، والعدل في الأحكام، والبذل، والإحسان.


(١) هذه لغة في الأسئلة. انظر: اللسان مادة (سول).
(٢) رواه أحمد (٤/ ٣٠٩)، وأبو داود (١٩٤٩)، والترمذي (٨٨٩)، والنسائي (٥/ ٢٦٤): وابن ماجه (٣٠١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>