موجودا دون موجود، بل يعم جميع الأشياء؛ إذ لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. ثمَّ قد جاء في الشرع نظر الله تعالى بمعنى: رحمته للمنظور إليه، وبمعنى: قبول أعماله، ومجازاته عليها. وهذا هو النظر الذي يخص به بعض الأشياء، وينفى عن بعضها، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُم فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ القِيَامَةِ} وقد تقدَّم ذلك في كتاب الإيمان. فقوله هنا: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم أي: لا يثيبكم عليها، ولا يقربكم منه، ذلك كما قال تعالى:{وَمَا أَموَالُكُم وَلا أَولادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُم عِندَنَا زُلفَى} ثم قال: {إِلا مَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُم جَزَاءُ الضِّعفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُم فِي الغُرُفَاتِ آمِنُونَ}
ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
إحداها: صرف الهمة إلى الاعتناء بأحوال القلب وصفاته؛ بتحقيق علومه، وتصحيح مقاصده وعزومه، وتطهيره عن مذموم الصفات، واتصافه بمحمودها؟ فإنَّه لما كان القلب هو محل نظر الله تعالى فحق العالم بقدر اطلاع الله تعالى على قلبه أن يفتش عن صفات قلبه وأحوالها؛ لإمكان أن يكون في قلبه وصف مذموم يمقته الله بسببه.
الثانية: أن الاعتناء بإصلاح القلب وبصفاته مقدم على الأعمال بالجوارح؛ لتخصيص القلب بالذكر مقدما على الأعمال، وإنَّما كان ذلك لأن أعمال القلوب هي المصححة للأعمال؛ إذ لا يصح عمل شرعي إلا من مؤمن عالم بمن كلفه، مخلص له فيما يعمله، ثمَّ لا يكمل ذلك إلا بمراقبة الحق فيه، وهو الذي عبر عنه بالإحسان، حيث قال: أن تعبد الله كأنك تراه (١). وقد تقدَّم قوله صلى الله عليه وسلم: إن في
(١) رواه مسلم (٨)، وأبو داود (٤٦٩٥)، والترمذي (٢٦١٠)، والنسائي (٨/ ٩٧)، وابن ماجه (٦٣).