وفي رواية: وَصُبَّ عَلَى رُؤوسِهِم الزَّيتُ. فَقَالَ: مَا شأنهم؟ قالَ:
ــ
في الانتقام منه، ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام والعقوبة، فلا يمنع. وإنما مقصود الحديث: إكرام وجه المؤمن لحرمته، لأنَّا نقول: مسلم أنا مأمورون بقتل الكافر، والمبالغة في الانتقام منه، لكن إذا تمكنا من اجتناب وجهه اجتنبناه لشرفية هذا العضو، ولأن الشرع قد نزل هذا الوجه منزلة وجه أبينا، وتقبيح لطم الرجل وجها يشبه وجه أبي اللاطم، وليس كذلك سائر الأعضاء، لأنَّها كلها تابعة للوجه، وهذا الذي ذكرناه هو ظاهر الحديث، ولا يكون في الحديث إشكال يوهم في حق الله تعالى تشبيها، وإنَّما أشكل ذلك على من أعاد الضمير في (صورته) على الله تعالى، وذلك ينبغي ألا يصار إليه شرعا ولا عقلا، أما العقل فيحيل الصورة الجسمية على الله تعالى، وأما الشرع فلم ينص على ذلك نصا قاطعا، ومحال أن يكون ذلك، فإنَّ النص القاطع صادق، والصادق لا يقول المحال، فيتعين عود الضمير على المضروب، لأنَّه هو الذي سبق الكلام لبيان حكمه. وقد أعادت المشبهة هذا الضمير على الله تعالى، فالتزموا القول بالتجسيم، وذلك نتيجة العقل السقيم، والجهل الصميم، وقد بينا جهلهم، وحققنا كفرهم فيما تقدم، ولو سلمنا أن الضمير عائد على الله تعالى، فللتأويل فيه وجه صحيح، وهو أن الصورة قد تطلق بمعنى الصفة، كما يقال: صورة هذه المسألة كذا، أي: صفتها، وصور لي فلان كذا فتصورته، أي: وصفه لي ففهمته، وضبطت وصفه في نفسي، وعلى هذا فيكون معنى قوله: إن الله خلق آدم على صورته أي: خلقه موصوفا بالعلم الذي فصل به بينه وبين جميع أصناف الحيوانات، وخصه منه بما لم يخص به أحدا من ملائكة الأرضين والسماوات، وقد قلنا فيما تقدَّم: إن التسليم في المتشابهات أسلم، والله ورسوله أعلم.