للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لديديه، وهما: صفحتا عنقه، عند خصومته. وكان حكم الألد أن يكون تابعا للخصم، لأنَّ الألد صفة، والخصم اسم، لكن لما كان (خصم) مصدرا في الأصل، وكان الألد صفة مشهورة، عُكس الأمر، فجعل التابع متبوعا، وهذا على نحو قوله: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} وإنَّما يقال: أسود غربيب. وهذا المبغوض عند الله تعالى هو الذي يُقصد بخصومته: مدافعة الحق، ورده بالأوجه الفاسدة، والشبه الموهمة، وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين، كخصومة أكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسلف أمته، إلى طرق مبتدعة، واصطلاحات مخترعة، وقوانين جدلية، وأمور صناعية، مدار أكثرها على مباحث سوفسطائية، أو مناقشات لفظية ترد بشبهها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها، وشكوك يذهب الإيمان معها، وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها! وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها! ثم إن هؤلاء المتكلمين قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البُله، ولا الأطفال، لما بحثوا عن تحيز الجواهر، والأكوان والأحوال، ثم إنهم أخذوا يبحثون فيما أمسك عن البحث فيه السلف الصالح، ولم يوجد عنهم فيه بحث واضح، وهو كيفية تعلقات صفات الله تعالى، وتقديرها، واتخاذها في أنفسها، وأنها هي الذات، أو غيرها، وأن الكلام، هل هو متحد، أو منقسم؛ وإذا كان منقسما فهل ينقسم بالأنواع أو بالأوصاف؛ وكيف تعلق في الأزل بالمأمور؛ ثم إذا انعدم المأمور فهل يبقى ذلك التعلق؛ وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو عين الأمر لعمرو بالزكاة؛ إلى غير ذلك من الأبحاث المبتدعة التي لم يأمر الشرع بالبحث عنها، وسكت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن سلك سبيلهم، عن الخوض فيها؛ لعلمهم بأنها بحث عن كيفية ما لا تُعلم كيفيته؛ فإنَّ العقول لها حد تقف عنده، وهو العجز عن التكييف لا يتعداه، فرق بين البحث في كيفية الذات وكيفية الصفات، ولذلك قال العليم الخبير: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>