للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منهم إلى الإلحاد، وأصل ذلك: أنهم ما قنعوا بما بعثت به الشرائع، وطلبوا الحقائق، وليس في قوة العقل إدراك ما عند الله من الحكم التي انفرد بها، ولو لم يكن في الجدال إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه الضلال، كما قال فيما خرجه الترمذي: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل (١)، وقال: إنه صحيح.

قلت: وقد رجع كثير من أئمة المتكلمين عن الكلام بعد انقضاء أعمار مديدة، وآماد بعيدة، لما لطف الله تعالى بهم، وأظهر لهم آياته، وباطن برهانه، فمنهم: إمام المتكلمين أبو المعالي (٢)، فقد حكى عنه الثقات أنه قال: لقد خليت أهل الإسلام وعلومهم، وركبت البحر الأعظم، وغصت في الذي نهوا عنه، كل ذلك رغبة في طلب الحق، وهربا من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، وأختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، والويل لابن الجويني. وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به.

وقال أحمد بن سنان: كان الوليد بن أبان الكرابيسي، خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحدا أعلم مني؟ قالوا: لا، قال: فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: فإني أوصيكم، أفتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم. وقال أبو الوفا بن عقيل: لقد بالغت في الأصول طول عمري، ثم عدت القهقرى إلى مذهب المكتب.


(١) رواه الترمذي (٣٢٥٣).
(٢) هو إمام الحرمين الجويني (ت ٤٧٨ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>