رواه أحمد (٤/ ٣١٢)، والبخاريُّ (٥٠٦١)، ومسلم (٢٦٦٧)(٣).
* * *
ــ
و(قوله: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا) يحتمل هذا الخلاف أن يحمل على ما قلناه آنفا. قال القاضي: وقد يكون أمره بالقيام عند الاختلاف في عصره وزمنه؛ إذ لا وجه للخلاف والتنازع حينئذ، لا في حروفه، ولا في معانيه، وهو صلى الله عليه وسلم حاضر معهم، فيرجعون إليه في مشكله، ويقطع تنازعهم بتبيانه.
قلت: ويظهر لي أن مقصود هذا الحديث الأمر بالاستمرار في قراءة القرآن، وفى تدبره، والزجر عن كل شيء يقطع عن ذلك. والخلاف فيه في حالة القراءة قاطع عن ذلك في أي شيء كان، من حروفه أو معانيه، والقلب إذا وقع فيه شيء لا يمكن رده على الفور، فأمرهم بالقيام إلى أن تزول تشويشات القلب. ويستفاد هذا من قوله: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإن القراءة باللسان، والتدبر بالقلب، فأمر باستدامة القراءة مدة دوام تدبر القلب، فإذا وقع الخلاف في تلك الحال انصرف اللسان عن القراءة، والقلب عن التدبر. وعلى هذا فمن أراد أن يتلو القرآن، فلا يبحث عن معانيه في حال قراءته مع غيره، ويفرد لذلك وقتا غير وقت القراءة. والله أعلم.
والحاصل: أن الباحثين في فهم معاني القرآن يجب عليهم أن يقصدوا ببحثهم التعاون على فهمه واستخراج أحكامه، قاصدين بذلك وجه الله تعالى، ملازمين الأدب والوقار، فإن اتفقت أفهامهم، فقد كملت نعمة الله تعالى عليهم، وإن اختلفت وظهر لأحدهما خلاف ما ظهر للآخر، وكان ذلك من مثارات الظنون ومواضع الاجتهاد، فحق كل واحد أن يصير إلى ما ظهر له، ولا يثرب على الآخر ولا يلومه، ولا يجادله، وهذه حالة الأقوياء والمجتهدين، وأما من لم