للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَت لَهُ حِرزًا مِن الشَّيطَانِ يَومَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمسِيَ، وَلَم يَأتِ أَحَدٌ بأَفضَلَ

ــ

عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله (١). وهذا لا يقوله أبو الدرداء من رأيه، ولا بنظره؛ فإنه لا يتوصل إليه برأيه، فلا يقوله إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، غير أنه سكت عن رفعه للعلم بذلك عند من حدثه بذلك. وقد رواه الترمذي مرفوعا (٢)، والله تعالى أعلم.

و(قوله: وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي) يعني: أن الله تعالى يحفظه من الشيطان في ذلك اليوم فلا يقدر منه على زلة ولا وسوسة ببركة تلك الكلمات.

قلت: وهذه الأجور العظيمة، والعوائد الجمة إنما تحصل كاملة لمن قام بحق هذه الكلمات، فأحضر معانيها بقلبه، وتأملها بفهمه، واتضحت له معانيها، وخاض في بحار معرفتها، ورتع في رياض زهرتها، ووصل فيها إلى عين اليقين؛ فإن لم يكن، فإلى علم اليقين، وهذا هو الإحسان في الذكر؛ فإنَّه من أعظم العبادات. وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما قدمناه في الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك (٣).

ثم لما كان الذاكرون في إدراكاتهم وفهومهم مختلفين، كانت أجورهم على ذلك بحسب ما أدركوا، وعلى هذا ينزل اختلاف مقادير الأجور، والثواب المذكور في أحاديث الأذكار، فإنك تجد في بعضها ثوابا عظيما مضاعفا، وتجد تلك الأذكار بأعيانها في رواية أخرى أكثر أو أقل، كما اتفق هنا في حديث أبي هريرة


(١) رواه مالك في الموطأ (١/ ٢١١).
(٢) رواه الترمذي (٣٣٧٤).
(٣) رواه مسلم (٨)، وأبو داود (٤٦٩٥)، والترمذي (٢٦١٣)، والنسائي (٨/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>