للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي رواية: عتل، ولم يذكر (زنيم)

رواه البخاريُّ (٦٠٧١)، ومسلم (٢٨٥٣) (٤٦ و ٤٧)، والترمذيُّ (٢٦٠٨).

ــ

متضعف: فتح العين، على أنه اسم مفعول، وكذا وجدته في كتاب الشيخ أبي الصبر، ويعني بذلك: أن الغالب على صفة أهل الجنة الضعيف عن نيل الدنيا، ومالها، وجاهها، ومناصبها، وإيثار الخمول والتواضع فيها، يلبسون زري الملابس، ولا يلتفتون إلى فاخر المراكب، ولا إلى صدور المجالس، علما منهم بأنهم على جادة سفر، وأن الدنيا ليست بمقر، فأحوالهم أحوال المسافرين المرملين. فهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره (١). والأشعث: المتلبد الشعر، والأغبر: الذي علته غبرة الغبار. والأطمار: الثياب الرثة. ولا يؤبه له: لا يلتفت إليه. يقال: فلان لا يؤبه، ولا يؤبه له؛ أي: لا يبالى به. ابن السكيت: ما وبهت به، وما وبهت له؛ أي: ما فطنت له. وأنت تيبه، بكسر التاء مثل تيجل؛ أي: تبالي. فإن قيل: كيف تكون هذه أوصاف أهل الجنة، وكيف تحمد هذه الأوصاف وقد أمر الشرع بالنظافة والزينة في الجمع والأعياد والتطيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطيب ويتنظف، ويتزين للوفود وللجمع والأعياد؟ قلنا: لا تناقض بين هذا وبين ما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما وصف هؤلاء القوم بأغلب أحوالهم. وغالب أحوالهم: ملازمة الأسفار الشرعية من الحج والجهاد، والسياحة في الأرض، والفرار بأديانهم من الفتن. ومع ذلك كله فيتنظفون النظافة الشرعية، ويتزينون التزين الشرعي إذا حضر وقته وأمكنهم ذلك، ويحضرون جماعات المسلمين وجمعاتهم. فهم مع الناس كائنون، وعنهم بائنون، داخلون في غمارهم، ومستترون بخمولهم وأطمارهم، وقد توجهوا إلى الحق وأعرضوا عن الخلق. وعلى الجملة فمقصود هذا الحديث أن أحوال أهل الجنة على النقيض من أحوال أهل النار، ألا ترى أنه


(١) رواه أحمد (٣/ ١٤٥)، والترمذي (٣٨٥٤) عن أنس -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>