للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وثانيهما: أنه قال: إنما قتله من أخرجه للقتل وعرضه له، وهذان التأويلان فاسدان.

أما بيان فساد الأول: فالبغي - وإن كان أصله الطلب - فقد غلب عرف استعماله في اللغة والشرع على التعدي والفساد، ولذلك قال اللغويون، أبو عبيد وغيره: البغي: التعدي. وبغى الرجل على الرجل: استطال عليه. وبغت السماء: اشتد مطرها. وبغى الجرح: ورم وترامى إلى فساد، وبغى الوالي: ظلم. وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء: بَغي. وبرئ جرحه على بغي: وهو أن يبرأ وفيه شيء من نغل، وعلى هذا فقد صار الحال في البغي كالحال في الصلاة، والدابة، وغير ذلك من الأسماء العرفية التي إذا سمعها السامع سبق لفهمه المعنى العرفي المستعمل، لا الأصلي الذي قد صار كالمطرح، كما بيناه في الأصول، وإلى حمل اللفظ على ما قلناه صار عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره يوم قُتل عمار، وأكثر أهل العصر، ورأوا أن ذلك التأويل تحريف. سلمنا نفي العرف، وأن لفظ الباغية صالح للطلب وللتعدي، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الفئة الباغية في هذا الحديث في معرض إظهار فضيلة عمار وذم قاتليه، ولو كان المقصود البغي الذي هو مجرد الطلب لما أفاد شيئا من ذلك، وقد أفادهما بدليل مساق الحديث فتأمله بجميع طرقه تجده كذلك، وأيضًا فلو كان ذلك هو المقصود لكان تخصيص قتلة عمار بالبغي الذي هو الطلب ضائعا لا فائدة له؛ إذ علي وأصحابه طالبون للحق ولقتلة عثمان، لو تفرغوا لذلك، وتمكنوا منه، وإنما منعهم من ذلك معاوية وأصحابه بما أبدوا من الخلاف، ومن الاستعجال مع قول علي لهم: ادخلوا فيما دخل فيه الناس، ونطلب قتلة عثمان، ونقيم عليهم كتاب الله. فلم يلتفتوا لهذا ولا عرجوا عليه، ولكن سبقت الأقدار، وعظمت المصيبة بقتيل الدار.

وأما فساد التأويل الثاني فواضح؛ لأنَّه عدل عمن وجد القتل منه إلى من

<<  <  ج: ص:  >  >>