وقد تقدَّم أن أول ما نزل من القرآن من أول هذه السورة إلى آخر هذه الآية، ثم بعد آماد نزل قوله:{كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطغَى} فهذا نمط آخر افتُتح الكلام به، ولذلك قال أبو حاتم: إن (كلا) هنا بمعنى (ألا) التي للاستفتاح. وقال الفراء: إنها تكذيب للمشركين. وقول أبي حاتم أولى. والإنسان هنا: أبو جهل. و (ليطغى) أي: تكبر وارتفع حتى تجاوز المقدار والحد. و (أن رآه استغنى) أي: من أجل استغنائه بماله وشدته، وعشيرته، وعلى هذا فالضمير عائد إلى أبي جهل، أعني: الضمير في (رآه). وقيل: هو عائد على محمد صلى الله عليه وسلم؛ أي: أن أبا جهل طغى وتجاوز الحد في حسده لمحمد صلى الله عليه وسلم، من أن استغنى محمد صلى الله عليه وسلم بربه، وبما منحه من فضله عن كل أحد من جميع خلقه.
و(قوله: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجعَى} أي: الرجوع إليه يوم القيامة، فيجازي كلا بفعله.
و(قوله:{أَرَأَيتَ الَّذِي يَنهَى * عَبدًا إِذَا صَلَّى} يعني به: أبا جهل، نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن يصلي، وقال ما ذكره في الحديث، و (أرأيت) هذه فيها معنى التعجب، فكأنه قال: اعجب من هذا الجاهل الضعيف العقل، كيف ينهى عن عبادة الله تعالى مثل محمد صلى الله عليه وسلم.
و(قوله:{أَرَأَيتَ إِن كَانَ عَلَى الهُدَى * أَو أَمَرَ بِالتَّقوَى} قيل: هو خطاب لأبي جهل، وهو خطاب توبيخ له واحتجاج عليه، فكأنه قال: أخبرني أيها المناع لمحمد من العبادة إن كان محمد على الهدى، أو أمر بالتقوى، فصددته