[١٥٦] وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ؛ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ذُكِرَ عِندَهُ عَمُّهُ أبو طَالِبٍ. فَقَالَ: لَعَلَّهُ تَنفَعُهُ شَفَاعَتِي يَومَ القِيَامَةِ، فَيُجعَلُ فِي ضَحضَاحٍ مِن النَارٍ، يَبلُغُ كَعبَيهِ، يَغلِي مِنهُ دِمَاغُهُ.
رواه أحمد (٣/ ٩ و ٥٠)، والبخاري (٣٨٨٥)، ومسلم (٢١٠).
[١٥٧] وَعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: أَهوَنُ أهل النَّارِ عَذَابًا أبو طَالِبٍ، وهو مُنتَعِلٌ بِنَعلَينِ يَغلِي مِنهُمَا دِمَاغُهُ.
رواه أحمد (١/ ٢٩٠)، ومسلم (٢١٢).
ــ
و(قوله: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة) هذا المترجى في هذا الحديث قد تحقق وقوعه؛ إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: وجدته في غمراتٍ فأخرجته إلى ضحضاح، فكأنه لما ترجى ذلك أعطيه وحقق له فأخبر به، وهل هذه الشفاعة لبيان قول محقق أو لسان حال؟ اختلف فيه، فإن تنزلنا على أنه حقيقة، وأنه - عليه الصلاة والسلام - شفع لأبي طالب بالدعاء والرغبة حتى شُفِّع، عارضه قوله تعالى: فَمَا تَنفَعُهُم شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وقوله: وَلَا يَشفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارتَضَى وما في معناه.
والجواب من أوجه؛ أقربها: أن الشفاعة المنفية إنما هي شفاعةٌ خاصةٌ، وهي التي تخلّص من العذاب. وغاية ما ذكر من المعارضة إنما هي بين خصوصٍ وعموم. ولا تعارُض بينهما؛ إذ البناء والجمع ممكن، وإن تنزّلنا على أنه لسان حال، فيكون معناه. أن أبا طالب لمّا بالغ في إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - والذبّ عنه، خُفّف عنه بسبب ذلك ما كان يستحقه بسبب كفره مع ما حصل عنده من معرفته صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قدمناه.
ولما كان ذلك بسبب وجود النبي - صلى الله عليه وسلم - وببركة الحنو عليه؛ نسبه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى نفسه. ولا يستبعد إطلاق الشفاعة على مثل هذا المعنى، فقد سلك الشعراء هذا المعنى، فقال بعضهم:
في وجهه شافعٌ يمحو إساءته ... إلى القلوب وجيه حيثما شفعا