للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذِرَاعَيهِ مِنهَا، حَتَّى أَخرَجَهُمَا مِن أَسفَلِ الجُبَّةِ. فَغَسَلَ ذِرَاعَيهِ، وَمَسَحَ بِرَأسِهِ، ثُمَّ أَهوَيتُ لأَنزِعَ خُفَّيهِ، فَقَالَ: دَعهُمَا، فَإِنِّي أَدخَلتُهُمَا طَاهِرَتَينِ وَمَسَحَ عَلَيهِمَا.

ــ

أرهقت إلى ذلك ضرورة. ويحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلها ولم يذكرها المغيرة، والظاهر خلاف، وقد روى البخاري من حديث عبد الله بن زيد: أنه - عليه الصلاة والسلام - اقتصر على الفروض (١)، وقد قدمنا قوله للأعرابي: توضأ كما أمرك الله (٢)، وفيه دليلٌ على أن يسير التفريق في الطهارة لا يفسدها. قال أبو محمد عبد الوهاب: لا يختلف في أن التفريق غير المتفاحش لا يُفسد الوضوء. واختلف في الكثير المتفاحش، فروي عن ابن وهب: أنه يفسده في العمد والسهو، وهو أحد قولي الشافعي، وحكي عن ابن عبد الحكم أنه لا يفسده في الوجهين، وبه قال أبو حنيفة، والشافعي في قول آخر. وعند ابن القاسم: أنه يفسده مع العمد أو التفريط، ولا يفسده مع السهو.

وقال أبو الفضل عياض: إن مشهور المذهب أن سنة، وهذا هو الصحيح؛ بناءً على ما تقدم: من أن الفرائض محصورة في الآية، وليس في الآية ما يدل على الموالاة، وإنما أخذت من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذ لم يرو عنه قط أنه فرق تفريقًا متفاحشًا.

واختلف في الفرق بين اليسير والكثير؛ فقيل: ذلك يرجع إلى الاجتهاد، وليس فيه حدٌّ، وقيل: جفاف الوضوء هو الكثير. وفيه دليلٌ على أن الصوف لا ينجس بالموت؛ لأن الجبة كانت من عمل الشام، والشام إذ ذاك بلاد الكفر والشرك من مجوس وغيرهم، وأكثر مأكلهم ميتة، ولم يسأل عن ذلك - صلى الله عليه وسلم - ولا توقف فيه.

وفيه دليلٌ على الضيق والتشمير للأسفار.

و(قوله: دعهما، فإني أدخلتهما وهما طاهرتان) حمل الجمهور هذه


(١) سبق تخريجه برقم (١٧٣).
(٢) سبق تخريجه ص (٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>