للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَستَتِرُ مِن بَولِهِ، قَالَ: فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطبٍ فَشَقَّهُ بِاثنَينِ. ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ أَن يُخَفَّفُ عَنهُمَا، مَا لَم يَيبَسَا.

ــ

و(قوله: وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله) أي: لا يجعل بينه وبين بوله سُترة حتى يتحفظ منه، كما قال في الرواية الأخرى: لا يستنزه عن البول أي: لا يتباعد منه. وهذا يدل على أن القليل من البول ومن سائر النجاسات والكثير منه سواء، وهو مذهب مالك وعامة الفقهاء، ولم يخفَّفوا في شيء من ذلك إلا في اليسير من دم غير الحيض خاصةً.

واختلف أصحابنا في مقدار اليسير، فقيل: هو قدر الدرهم البغلي (١). وقيل: قدر الخنصر، وجعل أبو حنيفة قدر الدرهم من كل نجاسة معفو عنه، قياسًا على المخرجين، وقال الثوري: كانوا يرخصون في القليل من البول، ورخص الكوفيون في مثل رؤوس الإبرِ من البول.

وفيه دليلٌ على أن إزالة النجاسة واجبة متعينة، وكذلك في قوله: استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه (٢). وقد تخيل الشافعي في لفظ البول العموم، فتمسك به في نجاسة جميع الأبوال، وإن كان بول ما يؤكل لحمه. وقد لا يسلم له أن الاسم المفرد للعموم، ولو سلم ذلك، فذلك إذا لم يقترن به قَرِينةُ عهدٍ، وقد اقترنت هاهنا، ولئن سُلم له ذلك فدليل تخصيصه حديث إباحة شرب أبوال الإبل للعرنيين، وإباحة الصلاة في مرابض الغنم، وطوافه - عليه الصلاة والسلام - على بعير، وسيأتي.

و(قوله: فدعا بعسيب رطب) العسيب من النخل: كالقضيب مما سِواهَا، والرطب: الأخضر.

و(قوله: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) اختلف العلماء في تأويل هذا


(١) "الدرهم البغلي": هو درهم فارسي، نُقش عليه رأس بغل، وهو أوفر الدراهم وزنًا انظر "المقاييسُ والأوزان الإسلامية" لهانس، من منشورات الجامعة الأردنية.
(٢) سبق تخريجه ص (٥٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>