والحديثُ النبويُّ هو الأصلُ الثَّاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم، فكثير من الآيات الكريمة جاءتْ مجملةً أو عامة، فأتى الحديثُ الشريفُ مُبَيِّنًا أو مُخَصِّصًا لها. وقد تَعْرِضُ حوادثُ وأمورٌ في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لم ينزل القرآنُ، يأتي الحديثُ له القولُ الفَصْل في هذه القضية وتلك الحادثة.
ثم إنَّ الحديثَ النبويَّ يعكسُ بكلِّ واقعيَّة وصدق سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو يُوضِّح مجريات السيرة، ويرسمُ أبعادَها، ويُجلِّي مكارمَ خُلُق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ونُصْحَه، وإرشادَه؛ وصولًا إلى مجتمع يقومُ على أصول الحقِّ والخير.
لهذا وغيره عُني المسلمون بحديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، وولعوا بذلك، واعتقدوا أن الاشتغال بعلم الحديث مِن أجلِّ الخدمات التي يُقدِّمونها، وأعظمِ القُرَب التي يفعلونها، حتى قال قائلهم:
لم أسمُ في طَلَبِ الحديثِ لسمعةٍ ... أو لاجتماعِ قديمِه وحديثِه
وجاء العلماءُ العاملون يرعون السُّنَّة حق رعايتها، فحفظوها في الصدور، ودوَّنوها في ثنايا السطور، ورحلوا في طلب الأحاديث، وكانت لهم أيادٍ بيضاءُ في خدمة السُّنَّة، ومعرفة الرجال، والبحث عن العلل.
وقد تحمَّل العلماءُ الصِّعابَ، وتجشَموا عناءَ طلب العلم، فكانوا يرحلون المسافات الطويلة، ويقطعون المفاوزَ الشاسعة، كي يُحصِّلوا حديثًا من هنا، ويسمعوا حديثًا من هناك، وهم مغتبطون في قرارة أنفسهم، ولسانُ حالِ أحدهم يقول: