اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وكلاهما حجة على أبي حنيفة في قوله: إن أول وقت العصر إذا كان ظل كل شيء مثليه. وهو قول شاذ خالف فيه هذه النصوص وجميع الناس، خلا أنه قد حُكي عن الشافعي، وقد تبرّأ من هذا القول أصحاب أبي حنيفة والشافعي لظهور فساده. ثم تمام القامة بلا فصلٍ بينهما هو أول وقت العصر، وهو مشترك بينهما - عند مالك وابن المبارك وإسحاق في آخرين -، تمسكًا بحديث جبريل، وذلك: أنه صلى به العصر في اليوم الأول حين كان ظل كل شيء مثله، وصلى به في اليوم الثاني حين كان ظل كل شيء مثليه. غير أنهم حملوا قوله: صلى في الظهر: على أنه فرغ منها في آخر القامة، وصلى في العصر على أنه بدأ بها في أول القامة الثانية. وقال الشافعي وأبو ثور وداود وأحمد والطبري ومحمد بن الحسن وأبو يوسف وابن حبيب وابن المواز من أصحابنا: لا مشاركة بين الوقتين، ولا بد من فاصلةٍ بينهما، وهي: زيادة أدنى شيء على القامة، غير أن أصحابنا لا يشترطون هذه الزيادة، ويقولون: بانتهاء القامة الأولى يخرج وقت الظهر، فيعقبها أول وقت العصر من غير زيادة. وقال أشهب: بل الاشتراك في القامة الأولى، فيكون ما قبلها بقدر ما يُوقَعُ فيه إحدى الصلاتين مشتركًا بينهما، واختار هذا القول أبو إسحاق التونسي، وحكاه القاضي أبو بكر بن العربي رواية عن مالك. وحجة من لم ير الاشتراك قوله: وقت الظهر ما لم تحضر العصر، وما جاء في حديث أبي موسى، وذلك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالسائل الظهر في اليوم الثاني حين كان قريبًا من وقت العصر بالأمس. وظاهر هذين الحديثين أن بينهما فصلا قريبًا. والقول بالاشتراك أبين، وهو الذي يجمع شتات الأحاديث، وأشهب لم يتأول: فصلى في الظهر والعصر، بل حملهما على ظاهرهما في الظهر والعصر، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - فرغ من الظهر والعصر في اليومين عند انتهاء القامة، والله أعلم.
وقوله: ووقت العصر ما لم تصفر الشمس: يعني بقوله: ما لم تصفر: