للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُؤَخِّرُ العِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيلِ، وَيَكرَهُ النَّومَ قَبلَهَا، وَالحَدِيثَ بَعدَهَا.

رواه البخاري (٥٤٧)، ومسلم (٦٤٧) (٢٣٥ و ٢٣٧)، وأبو داود (٣٩٨)، والنسائي (١/ ٢٤٦).

* * *

ــ

وقوله: وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها. أما كراهة النوم قبلها؛ فلما يخاف من غلبة النوم، فيفوت وقتها، أو أفضل وقتها المستحسن، وقال بهذا جماعة؛ منهم: ابن عمر، وابن عباس، وغيرهم [وهو مذهب مالك، ورخص فيه بعضهم؛ منهم: علي، وأبو موسى، وغيرهم] (١). وهو مذهب الكوفيين، واشترط بعضهم: أن يجعل معه من يوقظه للصلاة، وروي عن ابن عمر مثله، وإليه ذهب الطحاوي. وأما كراهة الحديث بعدها؛ فلما يؤدي إليه من السهر، ومخافة غلبة النوم آخر الليل، فينام عن قيام آخر الليل، وربما ينام عن صلاة الصبح.

قلت: ويظهر لي: أن كراهة ذلك إنما هو لَمَّا أن الله جعل الليل سكنًا - أي: يسكن فيه -، فإذا تحدث الإنسان فيه فقد جعله كالنهار الذي هو متصرّف المعايش، فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده. وقيل: يكره ذلك؛ لئلا نلغو في كلامنا، أو نخطئ فيه، فيختم عملنا بعمل سيئ، أو بقول سيئ. والنوم أخو الموت (٢)، أو لعله يكون فيه الموت، والله تعالى أعلم. وقيل: كره ذلك لتراح الكتبة الكرام. وقد كان بعض السلف يقول لمن أراد أن يتحدث بعد العشاء: أريحوا الكَتَبَة. وهذه الكراهة تختص بما لا يكون من قبيل القُرَبِ، والأذكار، وتعلم العلم، ومسامرة أهل العلم، وتعلم المصالح وما شابه ذلك. فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعن السلف ما يدل على جواز ذلك، بل على ندبيته، والله تعالى أعلم.


(١) من (ظ).
(٢) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ٤١٥): رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>