للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} يَعْنِي [بِذَلِكَ] (١) أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ الَّذِينَ رَجَعُوا مَعَهُ فِي (٢) أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ، فَاتَّبَعَهُمْ مَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْإِيَابِ وَالْقِتَالِ وَالْمُسَاعَدَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَوِ ادْفَعُوا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْحَسَنُ، والسُّدِّي: يَعْنِي (٣) كَثروا سَوَادَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: ادْفَعُوا بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: رَابِطُوا. فتعلَّلوا قَائِلِينَ: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنُونَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَلْقَوْنَ حَرْبًا لَجِئْنَاكُمْ، وَلَكِنْ لَا تَلْقَوْنَ قِتَالًا.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ (٤) بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا، كُلهم قَدْ حَدَّثَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَعْنِي حِينَ خَرَجَ إِلَى أُحُدٍ-فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بالشَّوط -بَيْنَ أُحُدٍ وَالْمَدِينَةِ-انْحَازَ (٥) عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النَّاسِ، وَقَالَ (٦) أَطَاعَهُمْ فَخَرَجَ وَعَصَانِي، وَوَاللَّهِ مَا نَدْرِي عَلَامَ نقتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَرَجَعَ بِمَنِ (٧) اتَّبَعَهُ مِنَ النَّاسِ مِنْ قَوْمِهِ أَهْلِ النِّفَاقِ وَأَهْلِ الرَّيْبِ، وَاتَّبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمرو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلمة، يَقُولُ: يَا قَوْمِ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ أَنْ تَخْذُلُوا نَبِيَّكُمْ وَقَوْمَكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوِّكُمْ، قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكُمْ تُقَاتِلُونَ مَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِّنَا لَا نَرَى أَنْ يَكُونَ قِتَالٌ. فَلَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وأبَوْا إِلَّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ، قَالَ: أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ أَعْدَاءَ اللَّهِ، فسيُغْنى (٨) اللَّهُ عَنْكُمْ. وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٩) .

قال اللَّهُ تَعَالَى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ} اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ قَدْ تَتَقَلَّبُ بِهِ الْأَحْوَالُ، فَيَكُونُ فِي حَالٍ أَقْرَبَ إِلَى الْكُفْرِ، وَفِي حَالٍ أَقْرَبَ [إِلَى] (١٠) الْإِيمَانِ؛ لِقَوْلِهِ: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ}

ثُمَّ قَالَ: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْقَوْلَ وَلَا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ هَذَا: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} فَإِنَّهُمْ يَتَحَقَّقُونَ أَنَّ جُنْدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ جَاءُوا مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسَبَبِ مَا أُصِيبَ مِنْ سَرَاتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُمْ أَضْعَافُ الْمُسْلِمِينَ، أَنَّهُ كَائِنٌ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ (١١) لَا مَحَالَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} .

وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} أَيْ: لَوْ سَمِعُوا مِنْ مَشُورَتِنَا عَلَيْهِمْ فِي الْقُعُودِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ مَا قُتِلُوا مَعَ مَنْ قُتِلَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَيْ: إِنْ كَانَ القُعود يَسْلَم (١٢) بِهِ الشَّخْصُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فَيَنْبَغِي، أَنَّكُمْ لَا تَمُوتُونَ، وَالْمَوْتُ لَا بُدَّ آتٍ إليكم ولو كنتم في


(١) زيادة من جـ، ر.
(٢) في أ، و: "من".
(٣) في أ: "بعد".
(٤) في ر: "وعن محمد".
(٥) في جـ، ر، أ، و: "انحذل".
(٦) في أ، و: "فقال".
(٧) في ر: "من".
(٨) في أ: "يستغنى".
(٩) سيرة ابن إسحاق (ظاهرية ق ١٦٦-١٦٨) ورواه الطبري في تفسيره (٧/٣٧٨) من طريق ابن إسحاق به.
(١٠) زيادة من جـ، ر.
(١١) في ر: "قتالا".
(١٢) في ر: "القول يدفع".

<<  <  ج: ص:  >  >>