للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (١٥) }

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا زُيِّن لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَاذِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ، فَبَدَأَ بِالنِّسَاءِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ بِهِنَّ أَشَدُّ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ (١) مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء". فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ بِهِنَّ الْإِعْفَافَ وَكَثْرَةَ الْأَوْلَادِ، فَهَذَا مَطْلُوبٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، كَمَا وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّرْغِيبِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، "وإنَّ خَيْرَ هَذه الأمَّةِ كَانَ أكْثرهَا نسَاءً" (٢) وَقَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ (٣) الدُّنْيَا مَتَاع، وخَيْرُ مَتَاعِهَا المرْأةُ الصَّالحةُ، إنْ نَظَرَ إلَيْها سَرَّتْهُ، وإنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْه، وإنْ غَابَ عَنْها حَفِظْتُه فِي نَفْسهَا وَمَالِهِ" (٤) وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "حُبِّبَ إلَيَّ النِّسَاءُ والطِّيبُ (٥) وجُعلَتْ قُرة عَيْني فِي الصَّلاةِ" (٦) وَقَالَتْ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من النِّسَاءِ إِلَّا الْخَيْلُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا النِّسَاءُ (٧) .

وَحُبُّ الْبَنِينَ تَارَةً يَكُونُ لِلتَّفَاخُرِ وَالزِّينَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا، وَتَارَةً يَكُونُ لِتَكْثِيرِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَهَذَا مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: "تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ" (٨)

وَحُبُّ الْمَالِ -كَذَلِكَ-تَارَةً يَكُونُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالتَّجَبُّرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا مَذْمُومٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّفَقَةِ فِي الْقُرُبَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ وَالطَّاعَاتِ، فَهَذَا مَمْدُوحٌ مَحْمُودٌ (٩) عَلَيْهِ شَرْعًا.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَارِ الْقِنْطَارِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ الْمَالُ الْجَزِيلُ، كَمَا قَالَهُ


(١) في جـ، ر، أ، و: "أنه قال صلى الله عليه وسلم"، وفي ر: "أنه قال عليه السلام".
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٠٦٩) موقوفا على ابن عباس.
(٣) في جـ: "صلى الله عليه وسلم".
(٤) رواه مسلم في صحيحه برقم (١٤٦٧) والنسائي في السنن (٦/٦٩) وابن ماجه في السنن برقم (١٨٥٥) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ الله عنه.
(٥) في جـ، ر: "الطيب والنساء".
(٦) رواه أحمد في المسند (٣/١٢٨) والنسائي في السنن (٧/٦١) مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٧) رواه النسائي في الكبرى (٤٤٠٤) من طريق سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، به. وله شاهد من حديث معقل بن يسار، رواه أحمد في مسنده (٥/٢٧) .
(٨) رواه أبو داود في السنن برقم (٢٠٥٠) والنسائي في السنن (٦/٦٥) وابن حبان في صحيحه برقم (١٢٢٩) "موارد" والحاكم في المستدرك (٢/١٦٢) وصححه وأقره الذهبي من حديث معقل بن يسار.
ورواه أحمد في المسند (٣/١٥٨) وابن حبان في صحيحه برقم (١٢٢٨) والبيهقي في السنن الكبرى (٧/٨١، ٨٢) من حديث أنس بن مالك.
(٩) في ر: "محسود".

<<  <  ج: ص:  >  >>