وَقَوْلُهُ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَيْ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْنَاكَ مِنَ الْمُلْكِ التَّامِّ وَالسُّلْطَانِ الْكَامِلِ كَمَا سَأَلْتَنَا فَأَعْطِ مَنْ شِئْتَ وَاحْرِمْ مَنْ شِئْتَ، لَا حِسَابَ عَلَيْكَ، أَيْ: مَهْمَا فعلتَ فَهُوَ جَائِزٌ لَكَ احْكُمْ بِمَا شِئْتَ فَهُوَ صَوَابٌ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (١) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خُيِّر بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا -وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَاسِمٌ يَقْسِمُ بَيْنَ النَّاسِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ-وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا نَبِيًّا يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ بِلَا حِسَابٍ وَلَا جُنَاحٍ، اخْتَارَ الْمَنْزِلَةَ الْأُولَى بَعْدَ مَا اسْتَشَارَ جِبْرِيلَ فَقَالَ لَهُ: تَوَاضَعْ فَاخْتَارَ الْمَنْزِلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَرْفَعُ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَعْلَى مَنْزِلَةً فِي الْمَعَادِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَنْزِلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ النُّبُوَّةُ مَعَ الْمُلْكِ عَظِيمَةً أَيْضًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَعْطَى سُلَيْمَانَ فِي الدُّنْيَا نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا، فَقَالَ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أَيْ: فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ.
{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢) }
(١) في أ: "الصحيح".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute