للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَقَتَادَةُ: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} قَالَا وَقَالَتِ النَّصَارَى مِثْلَ قَوْلِ الْيَهُودِ وَقِيلِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيج: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ؟ قَالَ: أُمَمٌ كَانَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَقَبْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} فَهُمُ: الْعَرَبُ، قَالُوا: لَيْسَ مُحَمَّدٌ عَلَى شَيْءٍ.

وَاخْتَارَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ تَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ، وَلَيْسَ ثمَّ دَلِيلٌ قَاطِعٌ يُعَيِّنُ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، فَالْحَمْلُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أَيْ: أَنَّهُ تَعَالَى يَجْمَعُ (١) بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْمَعَادِ، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ بِقَضَائِهِ الْعَدْلِ الذِي لَا يَجُورُ فِيهِ وَلَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الْحَجِّ: ١٧] ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سَبَأٍ:٢٦] .

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١٤) }

اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ مِنَ الَّذِينَ مَنَعُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ (٢) وسَعَوا فِي خَرَابِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} قَالَ: هُمُ النَّصَارَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ النُّصَّارَى، كَانُوا يَطْرَحُونَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ الْأَذَى، وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} هُوَ بُخْتَنَصَّر وَأَصْحَابُهُ، خَرَّب بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَعَانَهُ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى.

وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: أُولَئِكَ أَعْدَاءُ اللَّهِ النَّصَارَى، حَمَلَهُمْ بُغْضُ الْيَهُودِ عَلَى أَنْ أَعَانُوا بُخْتَنَصَّرَ الْبَابِلِيَّ الْمَجُوسِيَّ عَلَى تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا ظَاهَرُوا بُخْتَنَصَّرَ عَلَى خَرَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى خَرَّبَهُ، وَأَمَرَ بِهِ أَنْ تُطْرَحَ فِيهِ الْجِيَفُ، وَإِنَّمَا أَعَانَهُ الرُّومُ عَلَى خَرَابِهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا. وَرُوِيَ نَحْوَهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حدثنا ابن وهب قال: قال ابن


(١) في أ: "يحكم".
(٢) في جـ: "مساجد الله أن يذكر فيها اسمه".

<<  <  ج: ص:  >  >>