للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَتَمُوا ذَلِكَ وَتَعَوَّضُوا عَمَّا وَعَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِالدُّونِ الطَّفِيفِ، وَالْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ السَّخِيفِ، فَبِئْسَتِ الصَّفْقَةُ صَفْقَتُهُمْ، وَبِئْسَتِ الْبَيْعَةُ بَيْعَتُهُمْ.

وَفِي هَذَا تَحْذير لِلْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْلُكُوا مَسْلَكَهُمْ فَيُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ، ويُسْلكَ بِهِمْ مَسْلكهم، فَعَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يَبْذُلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْعِلْمِ النَّافِعِ، الدَّالِّ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا يَكْتُمُوا (١) مِنْهُ شَيْئًا، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ سُئِل عَنْ عِلْم فكَتَمه ألْجِم يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلجَامٍ مِنْ نَارٍ".

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ] (٢) } الْآيَةَ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُرَائِينَ الْمُتَكَثِّرِينَ بِمَا لَمْ يُعْطَوا، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ ادَّعَى دَعْوى كَاذِبَةً لِيتَكَثَّر بِهَا لَمْ يَزِدْه اللَّهُ إِلَّا قِلَّة" (٣) وَفِي الصَّحِيحِ: "الْمُتَشَبِّعُ (٤) بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَي زُور" (٥) .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاج، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكة أَنَّ حُمَيد بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف أَخْبَرَهُ: أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ: اذْهَبْ يَا رَافِعُ -لبَوَّابه-إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْ (٦) لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ منَّا فَرح بِمَا أتَى (٧) وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ -معَذَّبًا، لنُعَذبن أَجْمَعُونَ؟ (٨) فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَمَا لَكُمْ (٩) وَهَذِهِ؟ إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، ثُمَّ تَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (١٠) وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، فَكَتَمُوهُ (١١) وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرَجُوا قَدْ أرَوْه أَنْ قَدْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ، وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ، وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا (١٢) مِنْ كِتْمَانِهِمْ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، وَمُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ (١٣) وَابْنُ مَرْدُويه، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيج، بِنَحْوِهِ (١٤) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ عَلقمة بن وقاص: أن


(١) في ر: "يكتمون".
(٢) زيادة من جـ، ر، أ، و.
(٣) صحيح البخاري برقم (٦١٠٥، ٦٦٥٢) وصحيح مسلم برقم (١١٠) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه.
(٤) في أ: "المشبع".
(٥) رواه مسلم برقم (٢١٢٩) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٦) في جـ، ر، أ: "فقل له".
(٧) في جـ: "أوتى".
(٨) في جـ، ر، أ، و: "أجمعين".
(٩) في جـ: "ما لكم".
(١٠) في جـ، ر، أ، و: "لتبيننه للناس.. الآية".
(١١) في ر، أ، و: "فكتموه إياه".
(١٢) في جـ: "أوتوا".
(١٣) في و: "وابن خزيمة".
(١٤) المسند (١/٢٩٨) وصحيح البخاري برقم (٤٥٦٨) وصحيح مسلم برقم (٢٧٧٨) وسنن الترمذي برقم (٣٠١٤) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٠٨٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>